بالنظر إلى الوضع العالمي لعام 2021، انتشر الوباء العالمي صعودًا وهبوطًا، وتسارعت التغيرات التي لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، ودخل العالم فترة من الاضطرابات. ويعاني الاقتصاد العالمي من حالة عدم الاستقرار ، وتشابكت وتراكمت الصراعات القديمة والمخاطر الجديدة ، وازدادت العوامل غير المؤكدة وغير المستقرة بشكل كبير.
في 17 يناير 2022، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ كلمة في الجلسة الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 تحت عنوان “تعزيز الثقة، والمضي قدمًا بشجاعة، وخلق عالم أفضل في عصر ما بعد الوباء”. وها هو الرئيس شي جين بينغ -بصفته أكبر زعيم للصين- يقف مرة أخرى بعد عامي 2017 و2021 على منصة منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، المعروف باسم “مؤشر الاقتصاد العالمي”.
إذا كان جوهر خطاب الرئيس شي في دافوس عام 2017 هو توضيح وشرح لكيف ترى الصين وتروج لاتجاه عصر العولمة، وكان محور خطاب العام الماضي هو ما هي التعددية الذي تدعو الصين إلى الحفاظ عليها وممارستها، فإن موضوع خطاب هذا العام هو كيفية فتح وتطوير الطريق لعالم أفضل في حقبة ما بعد الوباء.
وحول كيفية التغلب على الوباء وبناء عالم ما بعد الجائحة، قدم الرئيس شي جين بينغ -من منظور تاريخي وفلسفي -إجابة الصين على السؤال.
أولا، التعاون وحشد القوة لهزيمة الجائحة. إن الطريق الصحيح الوحيد لهزيمة الجائحة هو تعزيز الثقة والتحلي بروح الفريق الواحد. وإن كل التصرفات من تبادل الاتهامات وإلقاء اللوم غير المبرر على الآخرين ستؤدي الى ضياع فرصة الانتصار وتضر بالوضع العام. فيجب على دول العالم تعزيز التعاون العالمي في مكافحة الوباء وتعزيز التعاون في مجال بحث وتطوير الأدوية وبذل جهود مشتركة لبناء خط الدفاع متعدد المستويات لمكافحة الجائحة وتسريع وتيرة بناء مجتمع مشترك تتوفر فيه الصحة للبشرية. وبالأخص علينا أن نستخدم اللقاح كسلاح قوي، ونضمن العدالة في توزيعه ونسرع في عملية التلقيح ونردم “فجوة المناعة” في العالم، من اجل حماية سلامة الشعوب وصحتهم وضمان معيشتهم بصورة جيدة.
إن الصين صادقة في أقوالها وحازمة في أفعالها. قد قدمت الصين أكثر من ملياري جرعة من اللقاح إلى أكثر من 120 دولة ومنظمة دولية. وستقدم الصين دفعة إضافية من اللقاح تقدر بمليار جرعة إلى الدول الإفريقية، بما فيها 600 مليون جرعة كمنحة.
وقد شهدت بنفسي مع الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان، توقيع اتفاقية تعاون بين الشركة القابضة للقاحات والمستحضرات الحيوية “فكسيرا” وشركة “سينوفاك بيوتيك”، لإنشاء مجمع تبريد لوجيستي للقاحات. ويعد هذا المجمع الذي يسع لتخزين 150 مليون جرعة من اللقاحات أكبر مركز لتخزين اللقاحات في مصر وحتى في إفريقيا. وستقدم الصين الى مصر دفعة جديدة تشمل 10 ملايين جرعة أخرى من اللقاح، وهو إجراء عملي لتنفيذ خطاب الرئيس شي جين بينغ، مما يدعم مصر لتحقيق هدف تطعيم 70٪ من السكان بحلول منتصف العام وبناء “سور التحصين العظيم ضد الوباء”.
ثانياً، حل مختلف المخاطر وتعزيز الانتعاش المستقر للاقتصاد العالمي.
إن العولمة الاقتصادية تمثل تيار العصر، لذا فالمطلوب من كافة دول العالم الالتزام بالتعددية الحقيقية، والتمسك بكسر الجدار بدلا من بنائه، والتمسك بالانفتاح والاندماج بدلا من الانعزال وفك الارتباط، والدفع ببناء اقتصاد عالمي منفتح. ويجب قيادة الإصلاح لمنظومة الحوكمة العالمية استرشادا بمفهوم الإنصاف والعدالة، وصيانة نظام التجارة متعددة الأطراف تحت رعاية منظمة التجارة العالمية، ووضع قواعد فعالة ومقبولة لدى الجميع في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي على أساس التشاور الكامل، وتهيئة بيئة مواتية ومنفتحة وعادلة للابتكار العلمي والتكنولوجي، وتطوير العولمة الاقتصادية نحو اتجاه أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا ونفعا للجميع بحيث يمكن إطلاق العنان لديناميكية الاقتصاد العالمي بشكل كامل.
ثالثا، تجسير الهوة التنموية لإعادة النهوض بقضية التنمية العالمية.
ينبغي علينا التمسك بمفهوم التنمية الذي يضع الشعب فوق كل الاعتبارات، ووضع هدف تعزيز التنمية وضمان معيشة الشعب في مكانة بارزة للسياسات الكلية العالمية، إضافة إلى تنفيذ جدول أعمال التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة. وعلينا تعزيز التنسيق بين آليات التعاون الإنمائي القائمة وزيادة كفاءتها، وتدعيم التنمية المتوازنة في العالم.
لطالما كانت الصين ومساهمًا كبيرًا في قضية التنمية العالمية. في سبتمبر 2021، أطلق الرئيس شي جين بينغ رسميًا “مبادرة التنمية العالمية” في الأمم المتحدة، داعيًا المجتمع الدولي إلى الاهتمام بقضايا التنمية، والتي حظيت بردود إيجابية من الدول النامية والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
أكد الرئيس شي جين بينغ أن “مبادرة التنمية العالمية” هي منفعة عامة مفتوحة للعالم برمته، وتهدف إلى دعوة المجتمع الدولي إلى الاهتمام بالقضايا العاجلة التي تواجه البلدان النامية، بما يتماشى مع خطة الأمم المتحدة لعام 2030 بشأن التنمية المستدامة لتعزيز التنمية العالمية المشتركة.
إن الصين مستعدة للعمل مع مصر، على أساس تعميق التعاون العملي في مختلف المجالات، من أجل مواءمة المبادرة بشكل أفضل مع احتياجات مصر التنموية، بحيث يتم تنفيذ “مبادرة التنمية العالمية” في مصر والمنطقة بأسرع ما يمكن، بما يهم بالفائدة على الشعبين الصيني والمصري.
رابعا، نبذ عقلية الحرب الباردة وتحقيق التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك.
إن التنمية السلمية والتعاون والكسب المشترك تمثل طريقا مستقيما في العالم. وينبغي أن تتطور الدول والحضارات بشكل مشترك على أساس الاحترام المتبادل، وتحقق التعاون والكسب المشترك من خلال السعي إلى قواسم مشتركة مع ترك الخلافات جانبا.
ينبغي علينا التماشي مع تيار التاريخ والعمل على صيانة الاستقرار للنظام الدولي وتكريس القيم المشتركة للبشرية والدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
كما يجب علينا الالتزام بالحوار والشمولية بدلا من المجابهة والإقصاء، ورفض الأحادية والحمائية والهيمنة وسياسة القوة بأي شكل من الأشكال.
إن عام 2021 هو عام تاريخي مهم في تاريخ الصين. احتفلنا هذا العام بمرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وحققنا هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في الموعد المحدد، وحققنا انتصارا في معركة مكافحة الفقر في الموعد المحدد، وحققنا نجاحاً تاريخياً في التخلص من الفقر المدقع، والآن نسير على مسيرة جديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل.
إن المجتمع الدولي على يقين أن الصين تمثل نموذجًا تنمويًا لدول كثيرة في العالم، ويتفق المجتمع الدولي تمامًا مع فلسفة التنمية الصينية، ويأمل بشدة التعلم من تجربة الصين في التخفيف من حدة الفقر والتنمية الاقتصادية.
وفي هذا الخطاب، تحدث الرئيس شي جين بينغ أيضًا عن الإنجازات التاريخية لتنمية الصين والزخم الجيد الحالي للتنمية، وأشار إلى أن الاقتصاد الصيني يتمتع بمرونة قوية وإمكانات كبيرة، وأن أساسيات التحسين طويل الأجل لم تتغير، مما عزز ثقة العالم الخارجي في الآفاق الاقتصادية للصين.
في عام 2021، وصل الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 17.7 تريليون دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 8.1٪، وتم تحقيق الهدف المزدوج المتمثل في زيادة النمو وانخفاض التضخم؛
وخطت الصين خطوات كبيرة في الانفتاح على العالم الخارجي، وتجاوز مقياس التجارة الخارجية السنوي 6 تريليون دولار أمريكي؛ ومن المتوقع أن يمثل الناتج المحلى الإجمالي للبلاد أكثر من 18 في المئة من الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن تصل مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي إلى حوالي 25٪؛ وهذا يعني أن الصين لديها أساس أقوى وظروف أفضل وحافز أكبر لتنميتها، وأصبحت قوة مهمة تقود انتعاش الاقتصاد العالمي.
في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين ومصر 14.77 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها44.9٪، وبلغت الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر 223 مليون دولار أمريكي، بزيادة 1.5 مرة على أساس سنوي.
كما قدمت منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر • تيدا السويس فرص عمل لأكثر من 40 ألف مصري وعززت التنمية الاقتصادية في مصر.
وفي ديسمبر 2021، تم التوقيع على مشروع تعاون بين شركة ويتشاي الصينية والجانب المصري فيما يتعلق ب “التعاون الأخضر”، والذي سيكمل أعمال “التحويل من النفط إلى الغاز” لـ 240 ألف حافلة صغيرة في مصر، مما يوفر مساعدة مهمة لمصر لتنفيذ مبادرة “التنمية الخضراء”. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع سقف للهيكل الرئيسي للبرج الأيقوني في منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة لمصر، والذي شيدته الشركات الصينية؛ تسير أعمال مشروع سكة حديد ضواحي “مدينة العاشر من رمضان” بسلاسة؛ بدا أعمال بناء أبراج التاون داون في العلمين الجديدة التي تنفذها الشركة الصينية؛ كنا تسير أعمال مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية وكذلك مشروع القمر الصناعي “مصر سات 2” -الذي تساهم فيه الصين -بشكل ناجح، وبعد اكتمال البناء، من المتوقع أن تطلق مصر القمر الصناعي الثاني العام المقبل.
يتم تنفيذ هذه المشاريع الاقتصادية والتجارية واحدة تلو الأخرى لتعزيز التنمية وتحقيق ازدهار معيشة الشعب، مما يوضح بشكل كامل طبيعة التعاون بين الصين ومصر والمنفعة المتبادلة والنتائج المربحة للجانبين.
ترتبط تنمية الصين ارتباطًا وثيقًا بمصير العالم، وتنمية العالم هي فرصة للصين؛ كما ان التنمية عالية الجودة والانفتاح في الصين سيضخ قوة دفع أقوى في انتعاش ونمو الاقتصاد العالمي، بما في ذلك مصر.
في غضون ايام سوف تنطلق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 والألعاب الأولمبية للمعاقين.
هنا، أود أن أشكر اللجنة الأولمبية المصرية لتعبيرها عبر منصة التواصل الاجتماعي دعمها القوي للصين في استضافة أولمبياد بكين الشتوي والألعاب الأولمبية للمعاقين لعام 2022.
تثق الصين في قدرتها على تقديم دورة أولمبية شتوية بسيطة وآمنة ورائعة للعالم! كما أن الصين مستعدة للتعاون مع كل دول العالم، وتعزيز الثقة، والمضي قدمًا بشجاعة، والتطلع الى المستقبل المشرق معاً!