لاحظ الباحثون، مؤخرا، أن جزء من المادة الوراثية للأورام الخبيثة يجد طريقه من الورم إلى الأوعية الدموية، وأصبح من السهل أن يتم اجراء تحليلات جينية على المادة الوراثية السائلة بالدم للمساعدة في فهم أفضل للتغيرات الجينية التي تحدث أثناء تطور المرض دون الحاجة لتعريض المريض إلى أخذ عينات متكررة من الورم والذي يتطلب إجراءات جراحية معقدة غير مناسبة لأغلب المرضي.
قام باحثان مصريان د. كيرلس شهدي ود. بيشوي فلتس بقيادة فريق بحثي لإجراء دراسة موسعة للإجابة على سؤال هام لمرضى سرطان المثانة وهو هل يمكن استخدام المادة الوراثية السائلة للتنبؤ باستجابة الورم للعلاج وفهم أسباب مقاومة المرض للعلاج. الفريق البحثي شمل باحثين من كلية طب ويل كورنيل وجامعة القاهرة ومعهد السرطان بنيفادا وجامعة واشنطن وجامعة هارفارد.
قام الفريق البحثي بتحليل 182عينة سائلة جُمعت من 53 مريضا مصابون بمراحل متقدمة من سرطان المثانة أثناء تلقيهم للعلاج على مدار خمس سنوات، تم تحليل المادة الوراثية السائلة في تلك العينات باستخدام تكنولوجيا متقدمة من اختبارات فك تتابع الدي إن أيه، والتي تمكنا من معرفة الطفرات الجينية وكميتها في العينة.
تم نشر البحث في الدورية البريطانية للسرطان -أحد مجلات Nature المرموقة- في عدد خاص. وتمثل هذه الدراسة أكبر دراسة إكلينيكية عن متابعة المادة الوراثية السائلة بالدم لدى مرضى سرطان المثانة. يُعلق دكتور كيرلس شهدي -الباحث الرئيسي- على الدراسة: “دائمًا ما يقف الطبيب عاجز عن اخبار المريض وهو في مرحلة متقدمة إذ كان هناك نفع حقيقي من العلاج أم لا، اليوم نعطي الطبيب والمريض أمل جديد ونقدم وسيلة استرشادية مهمة لخطة علاج أفضل”.
تثبت الدراسة أن التقدير الكمي للمادة الوراثية السائلة معبر حقيقي عن حجم الورم ومدي عنفه، وأن المرضى الذين يحتوي دمهم على كميات عالية من المادة الوراثية للورم عرضة لتطور أعنف ومعدل أقل للبقاء على الحياة من نظرائهم ذوي الكميات المنخفضة.
تثبت الدراسة أن التحليل الجيني للمادة الوراثية السائلة بالدم يتنبأ بالمرضي الذين سيستجيبون بشكل ممتد للعلاج، وأن التحليل الجيني يمكنه أن يتنبأ بتطور المرض على العلاج.
وأوضحت الدراسة أن التغيير الكمي للمادة الوراثية السائلة يمكنه أن يتنبأ بفشل العلاج قبل أن يظهر باستخدام الأشعة المقطعية التقليدية بحوالي ثلاث أشهر، مما يعطي الطبيب وقت وافر لتغيير خطة العلاج.
كما قدمت الدراسة فهم لأسباب مقاومة الورم لبعض أنواع العلاج الموجه. لا شك أن هذه الدراسة ستفتح الباب لتطبيقات علاجية عديدة والتي تعتمد على فهم تركيب الورم بشكل منفرد وشخصي، حيث يتم علاج كل مريض بخطة منفصلة تعتمد على خواص ورمه.
قاد هذه الدراسة دكتور كيرلس شهدي، الذي أكمل تدريبه في طب الأورام بجامعة القاهرة وحصل على منحة زمالة الجمعية الامريكية لعلاج الأورام لاستكمال أبحاثه عن سرطان المثانة في كلية طب ويل كورنيل، ومؤخرًا انضم الدكتور شهدي إلى مركز طب الأورام التجريبي بمعهد كريستي بالمملكة المتحدة ليقود برنامج العلاج المناعي المتقدم.