منذ أيّام ساقني القدر للذهاب لمستشفى الدمرداش الجامعي التابع لجامعة عين شمس “العريقة” بعد أن تناولت “هناء” مساعدتي في المنزل دواءً خطأ، فحدّثت طبيباً صديقاً فنصحني بالذهاب لقسم السموم بمستشفى الدمرداش، وبالفعل اصطحبت “هناء” وهي في حالة إعياء شديد وذهبنا لطوارئ قسم السموم، وبعد الكشف قالت الطبيبة المسئولة نصاً: “دي مش حالة تسمّم ودوّها بسرعة لقسم الباطنة” وبالفعل اصطحبتها إلى هناك، فكانت المفاجأة!!.. لا.. لا.. لن أسميها مفاجأة بل إنها كارثة بكل المقاييس، المشهد عبارة عن مرضى في كل مكان وطابور من المواطنين، كلٌ ينتظر دوره للدخول للكشف وتلقي العلاج، وسط معاملة غير آدمية من المسئولين الذين يُخاطبون المرضى بلسان حال: “اللي مش عاجبه يروح مستشفى خاص”.
كما أن من يستطيع الدخول لم يجد له سريرًا حتي يستريح عليه وإذا وجد السرير فلن يجد الطبيب الذي سيقوم بالكشف عليه وسط مشاجرات بين أهالي المرضى والأطباء والأمن بسبب سوء المُعاملة من جانب أفراد الأمن والإداريين، ودائمًا على لسانهم كلمة واحدة “لو مش عاجبك خد المريض وامشي”.. وهنا أوجّه سؤالاً لرئيس جامعة عين شمس الدكتور محمود المتيني: “يعني إيه آخد المريض وأمشي.. يعني إيه موظف في الدولة شغال بمستشفى يتحكم في مواطن ليس بيده شيء غير أنه ذهب لمستشفي تابع للحكومة ليأخذ حقه في العلاج؟.. هل هي إرث لهؤلاء الموظفين كي يتحكمون في المرضى ويتركوهم بالساعات دون عناية؟.
هل حضرتك مش عارف تدير مستشفى يا دكتور محمود؟!… كيف.. واسمك ضمن المرشحين لتولي حقيبة وزارية في التعديل الوزاري المقبل.. فلو صدق الحديث وكنت مرشحاً لتولي إحدى الحقائب الوزارية فكيف ستدير الوزارة وأنت لا تستطيع إدارة مستشفى؟!
يا دكتور محمود هذه قصة واحدة من آلاف القصص التي تحدث في المستشفي، فقد جلست مع “هناء” من الساعة الثالثة عصرًا وحتى الواحدة بعد منتصف الليل، فعند دخولنا للطوارئ قام أحد أفراد الأمن بدفعي للوراء بالباب الحديدي لباب الطورائ قائلاً -بكل ثقة: “مش هدخلك ولو مش عاجبك روحي اشتكيني وعندك مدير الأمن ومدير المستشفي واللي يعرف يعمل معايا حاجة يعملها”.. كانت برفقتي “مادونا” إحدى صديقاتي والتي أخذت الحالة ودخلت بها للطوارئ وذهبت أنا لمدير المستشفى، الذي كان في إجازة وقمت بالاتصال به والذي وجّهني بالذهاب إلى النائب والذي لم أجده أيضًا حيث كان في “مرور”!! .
التقيت أحد الإداريين والذي حاول بكل جهد “بصراحة” حل مشكلتي، وطالبني بعمل شكوى بما حدث وبالفعل قدّمت شكوى بما حدث وخلال وجودي بمكتبه تلقيت اتصالاً من صديقتي المُرافقة لـ”هناء” في الطوارئ تقول لي إن إحدى الطبيبات قامت بالكشف عليها مؤكدة: “أنها سليمة ومفهاش حاجة واشتري حقنة فولتارين وادهالها”.. كنت في ذهول عندما سمعت ما قالته كيف وهناء لم تستطع الوقوف علي رجليها من شدة التعب ويديها الاثنتين “متورمتين” وتصرخ من شدة الألم فقام المدير الإداري بالاتصال بأحد المتواجدين من الأطباء بقسم الطوارئ للكشف مرة أخرى عليها والذي طلب منها عمل “رسم قلب”.
هنا ذهبت مُسرعة للطوارئ لأطمئن عليها، وحين وصلت تلقيت اتصالاً من الدكتور محمد نائب مدير المستشفى، الذي جاء على الفور عندما علم بما حدث وقام بالكشف عليها وطلب من مساعديه عمل عدة تحاليل لها للاطمئنان على صحتها وانصرف.
ثم ذهبت أنا أيضًا للخارج وتواجدت صديقتي مع هناء فقامت صديقتي بإخراج هاتفها المحمول لإجراء مكالمة فقام أحد أفراد الأمن بخطف الموبايل من يدها بحجة أنها كانت تصوّر ما يحدث في قسم الطوارئ إلا أنه تدخّل في خصوصياتها وقام بفتح صورها الخاصة.. هل هذا قانوني يا دكتور “متيني”؟.
وعندما علمت لم أتكلم، لكني فوجئت بفرد الأمن قادم للتشاجر معي، وعندما علم المدير الإداري قام بالاعتذار لما حدث، لكن فرد الأمن “حطنا في دماغه” وكل دقيقة يأتي ليتشاجر معنا وسانده كثير من زملائه لمضايقتنا حتي الممرض الذي أعطى لها “المحلول المسكن” قام بنزع الكانيولا من يديها وتركها تنزف، وعند معاتبتي له قام بالشجار معي، وقال نصاً: “وانتي مستدتيش الدم ليه وانتي شايفاها”.. هل هذا يعقل يا دكتور محمود؟!
يا دكتور محمود يبدو لي أن مستشفى الدمرداش نموذج لقهر المواطن وإذلاله وجعله موضعاً لعُقد العاملين في هذه المؤسسات، الذين يتعاملون مع المواطنين كما لو كانوا متسولين يتسولون من القائمين علي الخدمة في المستشفي الإحسان وليسوا مواطنين..
يا دكتور محمود الرئيس عبد الفتاح السيسي بذل جهداً لم يبذل من قبل أي رئيس للنهوض بمنظومة الصحة وبناء الإنسان.. لماذا تريدون أن تهدموا ما يبنيه الرئيس السيسي؟ لماذا لا توجد رقابة قوية على هذه الصروح الكبيرة.. مستشفى الدمرداش يمكن أن يكون من أهم المستشفيات وأكبرها في الوطن العربي.. لكنكم الاهتمام لديكم كان بالبناء الخرساني وليس بناء الإنسان.