عقد مركز رع للدراسات الاستراتيجية أمس الأحد أولى حلقاته النقاشية، ضمن مشروع بحثي كبير حول ” دليل مفاهيم الدم” لدى الجماعات المتطرفة، وهو أحد المشروعات البحثية الرائدة التي يتبناها المركز، ويعمل على تنفيذها ضمن خططه المستقبلية، بالتعاون مع بعض الشركاء.
أهداف المشروع ومخرجاته:
يهدف المشروع لصياغة آليات جديدة في مواجهة التطرف والعنف، تكون بمثابة مسار موازي للمسارات التي تقوم بها الدولة في هذا المجال، على اعتبار أن مواجهة التطرف تحتاج لمواجهة شاملة من الدولة والمجتمع، ومن بينها النخب الفكرية ومراكز البحوث، التي تقع على إعتاقها مسئولية كبيرة في التصدي بالتحليل والتفنيد لبعض المفاهيم المغلوطة التي تستغلها هذه الجماعات في تجنيد الشباب والتأثير على عقولهم وتصوراتهم .
أما المخرجات المتوقعة، فتتمثل في إصدار دليل الكتروني شامل لمفاهيم الدم، يتم تحديثه باستمرار، وفق المستجدات، عمل مطويات مطبوعة من هذا الدليل، يسهل قراءاتها وتوزيعها على الشباب، تقديم محتوى بحثي على شبكة الإنترنت، في صورة مقاطع فيديو/ رسائل مسجلة/ كتيبات صغيرة.
حلقة النقاش الأولى في المشروع:
عقد مركز رع حلقة النقاش الأولى ضمن هذا المشروع الضخم، شارك فيها عدد من الخبراء والباحثين، كما شارك فيها باحثي وخبراء مركز رع، حيث أكد الدكتور أبو الفضل الإسناوي المشرف العام على المركز والمستشار الأكاديمي على أهمية هذا المشروع، وما يحظى به من دعم من المركز، وأشار إلى أن المركز اختار توقيت مهم، لتدشين هذا المشروع في ظل ما تشهده تونس من أحداث كثيرة، سلطت الضوء مرة أخرى على ضرورة تقييم تجربة الإخوان المسلمين في دولة عربية أخرى، بعد أن ثبت فشلهم في كل الدول التي وصلوا فيها للسلطة وأخرها مصر.
وقد أدار حلقة النقاش الدكتور أكرم حسام نائب مدير مركز رع ، الذي أكد على أهمية مشروع “دليل مفاهيم الدم”، واعتبره بمثابة المشروع الرائد للمركز على مستوى الفكر السياسي، مشدداً على أن التطورات الأخيرة فيما يتعلق باحتمالات عودة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وما يحدث من تحركات على مستوى تنظيم داعش في أفريقيا وغيرها، يشير إلى أن هذه الجماعات بفكرها المتطرف لم تنتهي، وأنها ما تزال قادرة على الانتقال من ساحة إلى ساحة، حاملة معها أفكارها ومفاهيمها المتطرفة، كما أكد على أن سقوط تنظيم الأخوان الذي مثل الرحم الذي ولد كل هذه الأفكار ومنها خرجت جماعات التكفير والضلال في السودان وفي مصر وربما قريباً في تونس، قد يمثل فرصة لتصحيح المسار الفكري لهذه الجماعات وقطع خطوط الاتصال الفكرية لها.
لقد انقسمت حلقة النقاش إلى قسمين: الأول، جاء في مجال الفكر السياسي حيث قدم الدكتور أبو الفضل الإسناوي قراءة في كتبات الكاتب العربي علي محمد الشرفاء من سلسلة كتاب ومضات على الطريق، وكتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، بالإضافة إلى عرض بعض مقالات المفكر في الصحف والمجالات العربية والدولية. بينما عرض الأستاذ طارق أبو السعد، وهو خبير في شئون الجماعات المتطرفة رؤية في كتابات الأستاذ مختار نوح مستخلصة من كتاب موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة – 50 عاما من الدم.
وجاء الجزء الثاني من الندوة: في مجال العلاقات الدولية من خلال التطبيق على الوضع الراهن في تونس، حيث قدمت ثلاث أوراق بحثية، الأولى قدمها الدكتور محمد أبو سريع الخبير الاقتصادي ومستشار المركز للشئون الاقتصادية، حول الأداء الاقتصادي لحركة النهضة والجرائم الاقتصادية لها منذ 2011، والثانية قدمها الدكتور عدنان موسى المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمشرف على برنامج الدراسات الأفريقية بالمركز حول واقع ومستقبل الأزمة بين الرئيس قيس سعيد وإخوان تونس، والثالثة قدمتها الأستاذة سلمى العليمي رئيس برنامج الدراسات الأمريكية بمركز رع حول المواقف الدولية من الأزمة الراهنة في تونس.
مراجعة المفاهيم المتطرفة:
تطرق كلا من الأستاذ طارق أبو السعد والدكتور أبو الفضل الإسناوي في مداخلتهما إلى كثير من النقاط المهمة، والتي وردت على الترتيب في فكر الأستاذ مختار نوح وفكر الأستاذ على محمد الشرفاء بخصوص مفاهيم التطرف وسبل المواجهة، وأهمها التأكيد على صعوبة رصد مفاهيم التطرف لدى الإخوان المسلمين، بسبب الطبيعة السرية لهذه التنظيمات، وأنظمة القيادة المعقدة، والاعتماد على الأوامر الشفاهية، والإشارة لدور فتاوى المسئولين في الإخوان في تجاوز العذر الشرعي لدى الفرد الإخواني، ما يتيح استهداف المدنيين والأبرياء، والتأكيد على الدور الوظيفي لتنظيم الإخوان منذ نشأته وحتى الآن، والذي ولا يزال يلعب أدوار لصالح قوى خارجية، بالإشارة إلى أن الفكر الإخواني مر بمراحل كثيرة، التقى خلالها مع أفكار أصولية أخرى، منها الفكر الوهابي في سبعينات القرن الماضي، والفكر القاعدي في تسعينات القرن الماضي، ثم الفكر الداعشي خلال العقد الأخير من القرن الحالي.
وقدم الدكتور أبو الفضل الإسناوي والأستاذ طارق أبو السعد توصيات تتعلق بجدوى المراجعات الفكرية من طرف واحد من الإخوان والجماعات المتطرفة، باعتبارها غير كافية، فلابد من جهود مقابلة لتفكيك مفاهيم العنف، حيث أثبت الواقع سهولة التراجع عن هذه المراجعات، واعتبارها نوع من التكتيك والمناورة، كما أوصى كلا منهما بعدم جدوى نهج الحوار مع هذه الجماعات، حيث تستغله للعودة مرة أخرى للسلطة بطريق مختلف، وبالتالي لا مفر من استئصال هذه الجماعات من المجتمع، من خلال تجريدها من الأفكار التي تعتمد عليها. واعتبر الدكتور الإسناوي أن مصر لفظت الأخوان وفكرهم المتطرف للأبد، وتوقع أن تونس تسير في نفس هذا المسار، ودعا لضرورة لمراجعة النصوص والرويات التي تتعارض مع النص القراني، ويتم استغلالها لتبرير العنف والقتل والإرهاب، كما شدد على ضرورة مساندة الدعوة التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني، باعتبارها المقاربة الشاملة لؤاد التطرف.
وقد أشار ” الإسناوي” في كلمته إلى أن كتابات المفكر العربي على محمد الشرفاء في مشروعه الفكرى عن مكافحة الجماعات الضالة وتصحيح المفاهيم- أكدت على أن الجماعات المتطرفة استغلت الحماسة الدينية للشعوب العربية، لتمرير أفكارها المتطرفة تحت غطاء شرعى، وأن هذه الجماعات المتطرفة اتخذت من كتب التراث إله، فقدست ما جاء في هذه الكتب من آراء، وأسسوا تنظيمات مسلحة تطبيقا لذلك، مبتعدين عن ما جاء في كلام الله في قرأننا، متخذين الدين غطاء لتفريق المسلمين إلى مذاهب وفرق وتنظيمات، على غير مراد المولى عز وجل، قال تعالى”إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون”.
وأضاف الدكتور “الإسناوي” أن المفكر على الشرفاء، أكد على أن الجماعات المتطرفة اتخذت من اختلاف العقائد سبب لسفك الدماء، فيما هو معروف بمصطلح “قتل على الهوية”، مخالفين بذلك لإرادة الله وسنته في كونه، قال تعالى” ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، محذرا من خطر جماعة الإخوان هذه على الأوطان، مطالباً فعلى الشعوب والحكومات التنبه لهم، وعدم ترك لهم الفرصة لممارسة أفكارهم الشيطانية، كما يحدث الآن في تونس من محاولات الجماعة الإرهابية، داعياً “على الشرفاء” إلى إتباع منهج الشعب المصري، الذي لفظ الجماعة الإرهابية للأبد، ورفض التصالح معها بعد صراع معها على مدى عقود، معتبراُ من يدعوا إلى المصالحة مع تلك الجماعة، أما جاهل أو عميل يسعى لهدم الأوطان.
وعرض “الإسناوي” في كلمته رؤية “الشرفاء” وخطته في الإصلاح الشامل ومواجهة هذه التنظيمات الضالة، حيث طالبت المؤسسات الدينية في كل الدول العربية، بضرورة تعديل المناهج التي تولد الإرهاب، ووضع خطة استراتيجية لتصحيح المفاهيم الإسلامية المغلوطة، التي احتوت على مفاهيم وروايات مفخخة، شكلت العنف وهيئة العقول لتقبل الأفكار المتطرفة على مدى عقود. هذا بالإضافة إلى ضرورة مراجعة الروايات التي تتناقض مع النص القرآني ويستغلها المتطرفون حجة للتأسيس للعنف والإرهاب. بالإضافة إلى ضرورة تصويب الخطاب الدينى، مؤكدا على ضرورة تفاعل كل المؤسسات الدينية العربية مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الشأن.
الجرائم الاقتصادية في تجربة الإخوان في تونس:
أكد الدكتور محمد أبو سريع في مداخلته أن حركة النهضة في تونس تتحمل مسئولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية الراهنة في تونس من تردي وانهيار، واعتبر ما قامت به منذ 2011 وحتى الآن يرقى لمستوى الجرائم الاقتصادية، وأشار لبعض الأمثلة على هذه الجرائم منها:
(*) ارتفاع التكلفة الاقتصادية للارتباطات الخارجية الإخوانية للحركة: وترجع هذه التكلفة وفقا للمتحدث إلي التأثير المُدمر للارتباطات الخارجية لهذه الحركة التي عملت على استغلال سُلطاتها في البلاد لخدمة أجندات خارجية دونما نظر أو اعتبار للمصالح الوطنية، في ظل وقت أحوج ما فيه الدولة التونسية إلى الانكفاء على ذاتها وداخلها لمُعالجة مشاكلها الاقتصادية المُتراكمة. وأدت هذه الارتباطات إلي عدم استقرار تونس، وما يرتبط بذلك من تداعيات اقتصادية ذات تأثير سلبي على الاقتصاد التونسي من أهمها انخفاض قدرة الدولة التونسية علي جذب الاستثمارات الأجنبية.
وتتأكد هذا الارتباطات في ظل محاولات راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، القفز على مهام رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وذلك عبر إجرائه لقاءات دبلوماسية مع العديد من مُمثلي القوى الإخوانية في العالم من أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفايز السراج الرئيس السابق لحكومة الوفاق الليبية.
(*) انتشار الفساد في المعاملات الاقتصادية أثناء حكم الحركة: ومن أمثلة هذه المعاملات الفاسدة، التي عرضها المتحدث تلك التي تمت في شركة الخطوط الجوية التونسية، حيث صدرت السلطات القضائية في تونس، في الثالث من أغسطس الجاري، قرارا بحظر السفر بحق مسئولين كبارا في هذه الشركة، وذلك على خلفية تورطهم في قضايا فساد مالي وإداري واستغلالهم مناصبهم لتحقيق منافع شخصية ويتجسد هذا الفساد أيضا فيما تم الكشف عنه بشأن اتخاذ قرارات في عدد من الملفات، تشمل أحزابا وسياسيين وشخصيات معروفة، من بينها ملفات “عقود مجموعات الضغط”، الذي تمت إحالته مؤخرا للنيابة العمومية التي قررت فتح تحقيقات ضد كل من حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي بشأن حصول هذه الأحزاب على تمويلات أجنبية غير مشروعة طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات، والقانون للأحزاب السياسية، إلى جانب ملفات أخرى خطيرة مثل
(*) هشاشة الفكر والسلوك الاقتصادي غير الرشيد للحركة: من بين الأسباب التي أدت إلى تراكم الديون، وفقا للدكتور “أبوسريع” العقلية العامة التي كانت تدير الملف الاقتصادي في تونس وهشاشة وضحالة فكرها اقتصاديا. فمن أمثلة السلوك الاقتصادي غير القويم لهذه العقلية، أنها كانت تؤمن زيادة سريعة في المصاريف أو النفقات الحكومية لتعيد تشكيل المؤسسات التونسية عبر إدخال أكبر عدد ممكن من الموالين لها إلى هذه المؤسسات. ولم يكن ذلك متوفرا من دون الحصول على كميات ضخمة من الديون الخارجية، التي كانت تأتي عادة من الدول التي كانت تساند الإخوان في مشروعهم السياسي، ولا تهتم بالحصول على ضمانات مقابلة، لكنهم ضمنوا أصول البنية التحتية التونسية.
(*) قيود الحركة علي تفعيل العديد من الشراكات الدولية الاقتصادية مع الدولة التونسية: وهنا أكد المتحدث في كلمته أنه علي الرغم من اتجاه العديد من دول العالم للتعاون الاقتصادي مع تونس بعض الثورة، وهو أمر حيوي وضروري لدعم وتعزيز الاقتصاد التونسي نظرا لأن حجم هذا الاقتصاد صغير نسبياً بناتج محلي إجمالي يدور عند مستويات الـ 40 مليار دولار، وهو ما يجعل من تكوين شراكات وتحالفات اقتصادية دولية بمثابة أمر حتمي لتلبية احتياجات المواطنين من خلال تطوير القدرات الإنتاجية المحلية، وخلق أُطر تعاون دولية عادلة. ولتونس علاقات تعاون وشراكات تجارية تاريخية مع الولايات المُتحدة الأمريكية، وفرنسا، ودول الاتحاد الأوروبي، والدول العربية وغيرها من الكيانات الاقتصادية في العالم، والتي اتجهت إلي تعزيز تعاونها الاقتصادي مع تونس بعد الثورة، فعلي سبيل المثال، رفع الاتحاد الأوروبي مُستوى الشراكة مع تونس إلى مرتبة الشراكة المُتميزة في عام 2012، ووقعت تونس مع فرنسا العديد من اتفاقات الشراكة، كما وقعت الصين اتفاق تعاون مطلع عام 2021، كما حرصت الولايات المُتحدة على الحفاظ على علاقتها مع تونس ووقعت معها مُذكرة للشراكة الاستراتيجية، كما وعدت أن تمنح تونس نحو 500 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية بها، ولكن كل ذلك وغيره من أُفق التعاون لم يتم تفعيله بصورة حقيقية بسبب القيود التي تفرضها حركة النهضة من جانب، وخشية الآخرين من التأثير السلبي للحركة على تعاونهم مع تونس من جانب آخر في ظل إصرار الحركة على النظرة الضيقة للاقتصاد من خلال حُلفائها فقط، بينما لم تُقدم تلك الدول الحليفة لحركة النهضة لتونس مُساندة اقتصادية حقيقية، واقتصر الأمر على مُساعدات وقتية لعدم ثقتهم في قُدرة حلفائهم من حركة النهضة على الإدارة الجيدة لعملية التنمية، أو حتى ضمان استمرار تأثيرهم في صناعة القرار لعدم امتلاكهم الكفاءة الفنية اللازمة.
فشل تجربة الإخوان في تونس على المستوى السياسي:
قدم الدكتور عدنان موسى والأستاذة سلمى العليمي ورقتان بحثيتان عن الموقف السياسي لتجربة الإخوان في تونس على المستوى الداخلي والخارجي،تم التركيز فيها على القرارات التي أتخذها الرئيس التونسي “قيس سعيد” في 25 يوليو الماضي والتي كانت بمثابة “المفاجئة المتوقعة”، حيث أشار الدكتور عدنان أن المتتبع للمشهد السياسي في تونس يدرك حتمية الوصول لهذه النقطة، حيث ارتبط الصراع بين الرئيس “قيس سعيد” وحركة النهضة بمحاولات الأخيرة توسيع صلاحيات رئيسها “راشد الغنوشي” باعتباره رئيساً للبرلمان على حساب صلاحيات الرئيس التي يضمنها له الدستور، حيث عمد “الغنوشي” إلى إصدار بيانات تتعلق بمواقف تونس من القضايا الخارجية (والتي تعد من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية)، وقد تجسدت هذه البيانات بوضوح في محاولات رئيس النهضة تقديم الدعم للمليشيات المتواجدة في ليبيا، إلا أن “قيس سعيد” رد بقوة على ذلك بالتأكيد على أن تونس لديها رئيس واحد في الداخل والخارج.وفي هذا الإطار، أثارت الزيارة التي قام بها الرئيس “قيس سعيد” إلى مصر في 9 أبريل الماضي غضب حركة النهضة، وعمدت إلى استخدام عناصرها الإلكترونية للهجوم على الرئيس، نظراً للعداء الذي تحمله الحركة لمصر، وتخوفها من ناحية أخرى من تصاعد نفوذ “سعيد” من خلال تعزيز دوره الخارجي.كذلك، ألقى الرئيس التونسي خطاباً في 18 أبريل الماضي بمناسبة ذكرى تأسيس قوات الأمن الداخلي، والذي أشار خلاله أن صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة تشمل أيضاً قوات الأمن الداخلي إلى جانب الجيش، وقد أثارت هذه التصريحات غضب حركة النهضة أيضاً والتي اتهمت الرئيس بتهديد الديمقراطية والنزعة التسلطية، وتعدياً على الدستور والنظام السياسي.
الموقف الدولي من التطورات في تونس:
أشارت الأستاذة سلمى العليمي للموقف فالدولي مما يجري في تونس، مع التركيز على الموقف الأمريكي والأوروبي، وأشارت لوجود اعتقاد سائد بأن بايدن سيتبنّى الرؤية نفسها للرئيس السابق باراك أوباما لجماعة الإخوان، باعتبارها جماعة “معتدلة” حسب الرؤية الأمريكية، ويمكن التعاون معها في مواجهة التنظيمات المتطرفة والدليل على ذلك لقاء السفير الأمريكي في تونس دونالد بلوم مع رئيس البرلمان، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في 23 فبراير 2021 وتأكيده له على مواصلة الدعم الأمريكي للتجربة الديمقراطية التونسية، كدلالة على استمرار السياسة الأميركية في التعامل مع الإسلام السياسي. لكن أشارت تطورات الأحداث في المشهد التونسي، إلى تغيير في توجهات إدارة بايدن إزاء الإسلام السياسي، حيث لم يدعم البيت الأبيض حركة النهضة، بل أكد على دعمه للديمقراطية، كما أجرى وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن اتصال هاتفي بالرئيس قيس سعيد لطمأنته، و شدد على الشراكة القوية للولايات المتحدة ودعمها المستمر للشعب التونسي في مواجهته للتحديات المزدوجة المتمثلة في الأزمة الاقتصادية ووباء كوفيد -19، كما حث الرئيس سعيد على التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تشكل أساس الحكم في تونس، بالإضافة إلى ضرورة مواصلة الحوار المفتوح مع جميع الجهات السياسية والشعب التونسي، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة الوضع والبقاء على اتصال. ويمكن تفسير ذلك التغيير نتيجة عاملين رئيسيين، الأول مساعي بايدن نحو إعادة تنشيط التحالفات مع الأوروبيين وبالتالي في ظل الإجراءات الأوروبية الأخيرة في التضييق على الإخوان من المتوقع أن يسعى بايدن إلى بلورة نهج يتماشى مع التوجهات الأوروبية الجديدة من أجل طمأنة حلفاء واشنطن، بينما العامل الثاني يتعلق بتغير المشهد العالمي و رغبة واشنطن في تقليل انخراطها في ملفات المنطقة من اجل مواجهة تصاعد نفوذ روسيا و الصين ، وبالتالي يمكنها الاعتماد على قوى إقليمية مثل مصر بالنظر إلى دورها المحوري في ملفات المنطقة، لاسيما بعد الدور الكبير الذي قامت به مصر في وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني و نجاح المساعي المصرية في التوصل إلى تسوية في حرب غزة الأخيرة .
أما بالنسبة للموقف الأوروبي، فإن المواقف الأوروبية جاءت متسقة مع بعضها من خلال التصريح بدعم لرئيس التونسي قيس سعيد، ودعوة كافة الأطراف إلى التزام الهدوء وتنشيط آلية الحوار بالإضافة إلى التأكيد على احترام الدستور وسيادة القانون ودعم تجربة الديمقراطية التونسية، ويتماشى ذلك مع التحركات الأوروبية الأخيرة المناهضة لنشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة في الدول الأوروبية خاصة جماعة الإخوان المسلمين، بينما في المقابل جاء موقف الصحف الأوروبية منقسماً، على سبيل المثال، كتبت صحيفة لوتومب السويسرية حول ما يجري في تونس في صفحتها الافتتاحية، مشيرة إلى أن تونس تغرق في أزمة سياسية في عز الوباء، كذلك سلطت صحف بريطانية الضوء على الأزمة في تونس، حيث نشرت صحيفة الجارديان مقالا افتتاحيا يشير إلى أن تونس تشهد “ثورة مضادة”، معتبرة أن “اقتحام قوات الأمن لمحطات التليفزيون ليس بعلامة جيدة على الإطلاق”، كما أكدت صحيفة الاندبندنت على ذلك أيضا، بينما نقلت صحيفة لوموند صور الفرحة التي شهدتها العاصمة التونسية بعد إعلان هذه القرارات. وأشارت العليمي، أن أوروبا أدركت ولو بشكل متأخر مدى خطورة هذا الفكر وتلك الجمعيات في نمو ظاهرة التطرف داخل مقراتها المغلقة وحلقاتها الضيقة، وربطها بالتنظيمات الإرهابية خارج أوروبا، ولربما ببعض الأحداث التي جرت في عدة دول أوروبية تتعلق بالتطرف، وبالتالي سعت دول الاتحاد الأوروبي وعن طريق الاتحاد نفسه بإصدار قوانين جديدة تفرض رقابة شديدة على تحركات هذه الجماعات بجانب فرض عقوبات وحظر على شخصيات عديدة لها علاقات أو ارتباطات بتنظيمات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، حيث عززت عدة دول أوروبية إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف على أراضيها، في مقدمتها النمسا وألمانيا وفرنسا الذين حظروا نشاطات وشعارات عدة منظمات إرهابية خلال الأيام القليلة الماضية بينها جماعة الإخوان والذئاب الرمادية التركية وجماعة أنصار الدودية وغيرهم. حيث أعلنت السلطات الألمانية حظر جماعة “أنصار الدولية” في 6 مايو 2021 بسبب تورطها في تمويل منظمات إرهابية كـ”هيئة تحرير الشام” في سوريا و”حركة الشباب الصومالية”، كما أقر البرلمان الألماني في 7 مايو 2021 تعديلاً على قانون مكافحة التطرف والكراهية على شبكة الإنترنت، يسمح القانون بتوسيع صلاحيات الشرطة والقضاء لاتخاذ إجراءات كثيرة جداً وأكثر حسماً ضد أي أشكال تحريض، بينما في في فرنسا يعد موافقة المجلس الأعلى للديانة الإسلامية على اتفاق “المبادئ” – ” اتفاق المبادئ الذي دعا إليه الرئيس، إيمانويل ماكرون، يناير 2021 في مسعى إلى تطويق ما يصفها بنزعة “الانفصالية” وتوظيف شؤون الدين والهوية من قبل جماعات محسوبة على الإخوان، وكان ماكرون قد دعا إلى هذا الميثاق، عقب عدد من الهجمات الإرهابية في البلاد، جرى توقيع الاتفاق الذي يحرص على إقامة ما يعرف بـ”إسلام فرنسا، وحضرت إلى هذا اللقاء في قصر الإليزيه، أغلب المؤسسات التي تشكل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ويؤكد هذا الميثاق مبادئ العلمانية والمساواة، كما يشير أيضا إلى حرية الإيمان واحترام حرية العقيدة” ومحاربة الخطاب المتطرف _ ، ضربة جديدة لتنظيم الإخوان في فرنسا الذى يسعي باستمرار لتجنيد واستقطاب أبناء الجاليات الإسلامية ودعم الانعزالية وانفصال الجاليات عن المجتمع الفرنسي، وذلك بالتزامن مع دعوات برلمانيين فرنسيين مستمرة لإقرار تشريع يحظر الجماعة خاصة بعد التحذيرات الاستخباراتية من تنامي أنشطة الإخوان ومن (50) ألف عضو تابع لتنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا، وفي النمسا تتيح التشريعات الجديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف المضي قدما لحظر تنظيم الإخوان، وذلك بعدما أضيف شعار التنظيم في عام 2019 إلى شعارات المنظمات المحظورة في النمسا، بالإضافة إلى أنه في عام 2020 اقترح برلمانيون وقف التعاون مع التنظيمات التابعة للإخوان في النمسا.
مستقبل الأوضاع في تونس:
وعن ومستقبل الأوضاع في تونس اتفق المتحدثون على أنه في ظل حالة الغموض الراهنة التي تطغى على المشهد التونسي، تبقى كافة الاحتمالات قائمة، وثمة حاجة إلى خارطة طريق واضحة تؤسس لمرحلة جديد تتضمن نظام سياسي جديد وأكثر فاعلية مع المشكلات المتفاقمة في البلاد، مع ضمان سيادة القانون وحماية الحريات، وفي هذا السياق ربما تسعى النهضة إلى تقديم تنازلات مرحلية لتفادي أي قرار قضائي بحلها، خاصةً إذا ما أثبتت التحقيقات تورطها في عمليات الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد في 2013، كما أن النهضة سوف تسعى لتجنب الدفع نحو انتخابات برلمانية مبكرة لان ذلك سوف يؤدي إلى خسارتها هيمنتها على البرلمان في ظل التراجع الكبير في شعبيتها، كذا ربما تناور النهضة مؤقتاً بسياسة الكمون الاستراتيجي لتجنب خسارة شاملة، خاصةً بعدما خسرت معظم حلفائها الداخلين بما في ذلك حزب “قلب تونس”، وبالتالي فعدم إجراء إصلاحات دستورية جوهرية في هيكل السلطة الحالي سوف يعيد إفراز المشهد السابق مرة أخرى. لا يزال الموقف التونسي الراهن يغلب عليه حالة من الغموض، في ظل ترقب كبير لما ستؤول إليه التطورات الداخلية، في ظل تصاعد حدة التشرذم الداخلي التي باتت تهيمن على حركة النهضة والتي تزيد من غموض الموقف بشأن التحركات المقبل للحركة في ظل وجود انقسام بين أجنحة الحركة في كيفية التعاطي مع الموقف. أما بالنسبة لمحددات الحسم في الفترة المقبلة، فيمكن الإشارة إلى أن موقف القوات المسلحة وموقف الأجهزة الأمنية والتيارات السياسية والنقابية المختلفة سوف تمثل العامل المرجح لمسار التطورات المقبلة.