أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤخراً، مبادرةً شاملةً بعنوان “حياة كريمة“؛ تستهدف تحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً على مستوى الدولة، والإسهام في الارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين الأكثر احتياجاً، خاصةً في الريف والقرى.
كما يجوز للحاكم أن يأخذ من الزكاة لتنفيذ ما يفيد البيئة والمجتمع وإقامة المشاريع التي تنفع الناس وترتقى بحياتهم.
وتهدف المبادرة إلى توفير الحياة الكريمة للفئات الأكثر احتياجاً على مستوى الجمهورية، كما تتضمَّن شِقاً للرعاية الصحية، وتقديم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية، وصرف أجهزةٍ تعويضيةٍ، فضلاً عن تنمية القرى الأكثر احتياجاً، وفقاً لخريطة الفقر، وتوفير فرص عملٍ بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمناطق الأكثر احتياجاً، وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج.
وفى هذه السطور نرصد آراء كبار العلماء بالأزهر الشريف حول حكم توجيه الزكاة والصدقات للمشاريع القومية؛ ومنها مبادرة “حياة كريمة”..
مشروعٌ تاريخي
قال الدكتور عباس شومان، المشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، وكيل الأزهر السابق، إن مشروع مبادرة حياة كريمة من المشاريع العظيمة، ومن الجيد أن يُشارك فيه رجال الأعمال والأغنياء بفاعليةٍ كبيرةٍ، وأن ينافسوا الدولة في الإنفاق والمشاركة فى هذا المشروع التاريخي غير المسبوق.
وأضاف وكيل الأزهر السابق، أن هذا المشروع يُمكن اعتباره أحد مصارف الزكاة المنصوص عليها فى قوله -تعالى: “وفى سبيل الله”؛ حيث كان أصله الجهاد، وبعد تنظيم الجيوش وتولى أمرها من قِبل الدولة، يحل محله المشروعات العامة؛ كبناء الطرق والمستشفيات والمدارس. متابعاً: وعلى ذلك فيجوز للمُزكِّى توجيه جزءٍ من أموال زكاته لهذا المشروع، على أن يبقى قدراً مُوجَّها إلى الفقراء والمساكين فى محيطه مباشرةً؛ حتى لا ينقطع عن الفقراء الذين يحتاجون دعمه وينتظرونه، مشدداً على أنه يُمكن توجيه الزكاة لمشروع حياة كريمة؛ كأحد مصارفها من غير إهمالٍ للفقراء والمساكين.
جائزٌ.. للمُزكِّى والحاكم
من جهته أكد الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الزكاة فى الإسلام يُراد بها تغيير حياة الأصناف الثمانية الوارد ذكرها فى سورة التوبة؛ فى قوله تعالى: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين…”، للأفضل، والارتقاء بمستواهم الاقتصادي، ومن بين هذه الأصناف قوله تعالى: “وفى سبيل الله” ، فيجوز للحاكم أن يأخذ هذا السهم ويُفيد به البيئة والمجتمع، وعمل جميع المشاريع التي من شأنها أن تُفيد الناس، أفراداً أو جماعات؛ كأن يُداوى به المرضى أو يُطوِّر بيتاً أو يُنشئ صرفاً صحياً، أو يبنى محطة مياه للشرب، أو غير ذلك من المشاريع التي ترتقى بحياة الناس.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء، أنه يجوز إخراج أموال الزكاة للمبادرة الرئاسية حياة كريمة، مؤكداً أنه يجوز الصَّرْف من أموال الزكاة على تهيئة المسكن للفقراء والمساكين؛ من خلال الأبنية البديلة للعشوائيات، ورفع كفاءة القرى الفقيرة، وفرش المنازل الجديدة للفقراء، لافتاً إلى أن مبادرة حياة كريمة عملٌ عظيمٌ انفرد به الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لمصلحة الفقراء، وإعداد القرى الفقيرة لتكون مثل المدن الراقية، مشيراً إلى أن أهل الريف أساسُ البلد، فيزرعون ويحصدون، ويخرج من العلماء والمهندسين والأطباء وغيرهم من أصحاب المهن التي يحتاجها المجتمع، وتُسهم فى الاقتصاد والتنمية.
وشدَّد على أنه لا مانع من إخراج الزكاة فى هذه الأوجه، لافتاً إلى أن صنف العاملين عليها الوارد في الآية الكريمة، يُجيز لولى الأمر أن يأخذها ويضعها فى خدمة المجتمع، موضِّحاً أن مشروع حياة كريمة من أفضل وأهم المشاريع التنموية والإنسانية فى مصر والعالم، وليت كل الحُكام أن يحذو حذو الرئيس السيسي، ويدشنوا مثل هذا المشروع؛ كي ينهضوا بأمتهم وشعوبهم.
وأكد أن الريف أولى بالتطوير والنهوض من غيره، فيجب مراعاة خشونة البداوة قبل رِقَّة الحضر، لافتاً إلى أن أهل الريف أحق بكثيرٍ إلى الارتقاء بهم وتغيير حياتهم المأساوية التي عاشوها لسنواتٍ طويلةٍ بشتى الطرق، وعن طريق أيضاً دفع الزكاة في مصرفي: “العاملين عليها وفى سبيل الله”، داعياً جميع المصريين إلى التبرُّع وإخراج الزكاة والصدقات إلى مبادرة حياة كريمة؛ لكى تستطيع الدولة تنمية الريف وإنشاء مستشفيات ومدراس، وإعداد مساكن للفقراء والمساكين.
علاج ومسكن ومشرب
من جانبه قال الدكتور محمد عبد المالك، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي، إن الصدقة نوعان؛ الأول صدقةٌ مفروضةٌ، وصدقة تطوُّع، فصدقة التطوُّع، قولاً واحداً، يجوز أن تُوجَّه إلى كل المشروعات القومية التي ستعود بالخير على المواطنين المحتاجين، أما الصدقة المفروضة أو الزكاة، فالقرآن الكريم حدَّد أصنافها وأنواعها، وهنا يجوز أن يندرج تحت قوله تعالى: “وفى سبيل الله”، بإجماع آراء غير واحدٍ من العلماء المُعتبرين، ففي سبيل الله تشمل المستشفيات والعلاج والمسكن والمشرب وجميع أوجه الخير، التي من الممكن أن تخدم المحتاجين والفقراء والمعدومين بالقرى الأكثر فقراً.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أنه يجوز إخراج الزكاة لصنف: “وفى سبيل الله”؛ لعمل المشاريع القومية، وتغيير حياة المحتاجين والمعدومين؛ عن طريق المشاريع المجتمعية والتنموية والقومية.
تستهدف الفقراء والمساكين
من جهته قال الدكتور حسن الصغير، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه إذا كانت مبادرة حياة كريمة تستهدف أصناف الزكاة أو إحداها؛ مثل الفقراء والمساكين وغيرهما، فإنه يجوز إخراج الزكاة كلها أو جزء منها لهذه المشاريع، موضحاً أن شرط توجيه الزكاة لمثل هذه المبادرات القومية يستوجب أن تشمل صنفاً أو أكثر من أصناف الزكاة؛ كأن تخدم المشروعات الفقراء والمساكين والغارمين والمُؤلَّفة قلوبهم وفى الرقاب وأبناء السبيل والسائلين وغيرهم من الأصناف عن طريق هذه المشروعات.
وأوضح أن تغيير حياة الناس للأفضل؛ عن طريق تحسين البنية التحتية، وإعانة الفقراء، وصرف رواتب لمن ليس لهم دخول ثابتة أو كافية لحاجاتهم؛ فإنه فى هذه الحالة يجوز دفع الزكاة لها فى هذه الحالة، وغيرها أيضاً؛ كأن يتم صرف علاجٍ للفقراء أو تطوير المساكن والمستشفيات وغير ذلك من المشاريع.
مصلحة الأمة
من جهته قال الدكتور عطية عبد الموجود لاشين، أستاذ الفقه المقارن، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر الشريف، إن توجيه أموال الزكاة للمشروعات القومية فيه رأيان لأهل العلم، رأى الجمهور، وهم الشافعية والمالكية والحنابلة؛ بعدم الجواز ، لأن لمصارف الزكاة بنوداً محددةً ومعينةً سمَّاها القرآن الكريم؛ فى قوله تعالى: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمُؤلَّفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل…”، موضِّحاً أن قوله: “وفى سبيل الله”، المراد به عند الجمهور الجهاد، وعند آخرين الحج والعمرة.
وتابع: والقول الثاني جواز توجيه الزكاة للمشاريع، ولجميع أوجه الخير؛ استناداً إلى أن المُراد بقوله تعالى وفى سبيل الله، أبواب البر وسُبل الخير، ومن ثمَّ فإن توجيه الزكاة لمبادرة حياة كريمة، التى تهدف لتوفير الراحة للمواطنين، وتوفير سُبل الحياة الكريمة لهم؛ من بناء البنية التحتية، وتوفير الحياة الكريمة للأفراد والجماعات، وتحسين حياتهم المعيشية، يكون جائزاً عند الأحناف، وليس جائزاً عند الجمهور، مُؤكِّداً أنه إذا ورد رأيان فقهيان مختلفان فى مسالةٍ واحدةٍ؛ فإنه يُؤخذ بالرأى الذى فيه مصلحةٌ للأمة.
وأضاف أن تفسير قوله تعالى: “وفى سبيل الله”، أى أنه يجوز إخراج الزكاة لأى جهةٍ من جهات البِر، وهو ما قالت به دار الإفتاء المصرية، الجهةُ الرسميةُ فى إصدار الفتوى، ويجب أن يُراعى أمر أن توجيه الزكاة لهذا البند لا يكون إلا بعد سداد حاجات الفقراء والمساكين وأصناف الزكاة المختلفة؛ لأنه يجب مراعاة الترتيب الوارد في الآية الكريمة.