بتاريخ 28 يناير 2020 وتحديدًا في جلسة «دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي» بمؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، شهد جدالاً واسعاً بين أقطاب الفكر في مصر ممثلة في فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة؛ بشأن تجديد الخطاب الديني.
ولكن بعد مرور 458 يوماً عدل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب عن رأيه، ليكون متوافقًا مع رأي الدكتور محمد عثمان الخشت، في الحلقة الـ 18 من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» في رمضان 1442هـ.
ماذا قال الطيب في حلقة برنامجه «الإمام الطيب»؟
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: «إن الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ في عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك بعضِ الناس بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها في عصرِها الذي قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا في مُشكلاتِ اليوم، التي لا تُشابِهُ نظيراتِها الماضيةَ، اللهمَّ إلا في مُجرَّدِ الاسمِ أو العنوان».
وتحدث فضيلة الإمام الأكبر في نهاية حلقته بهذا القول: «وأنا لا أُريد أن أُوهمك -أيها المشاهد الكريم! – بأنني أعُدُّ نفسي واحدًا من علماءِ التجديد، أو فُرسانِ الاجتهادِ؛ فأنا -ويعلمُ الله!- دُونَ ذلك بكثيرٍ، ولكنِّي لا أُنكر أنَّني واحدٌ من هؤلاء الذين أرَّقَهم هذا الجمودُ منذ زمنٍ طويلٍ جدًّا، بَدَأَ مع التنقُّلاتِ بين القُرى ومدنِ الصعيدِ ومدينةِ القاهرةِ، وبعضِ المدن الأوروبية والعربية والآسيوية، ومشاهدة المفارقات التي تذهبُ من أقصى النقيضِ إلى أقصاه الآخَر، وبرُغم أنَّ الأزهرَ الشريف قد وُجِّهَتْ إليه في الآوِنةِ الأخيرةِ؛ تهمةَ الجمودِ ورفضِ التجديد، فإنِّي أُؤكِّدُ لله، ثم للتاريخ أنَّ الأمرَ لم يكن أبدًا كذلك.. بل إنَّ الأمرَ كلَّه كان بعكسِ ما قِيلَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}».
ماذا حدث بين الطيب والخشت العام الماضي؟
بدأ الخشت- آنذاك- حديثه الذي جاء جزء من نصه على النحو التالي: «إنه لابد من تأسيس خطاب ديني جديد، وليس التجديد التقليدي، وأن الأجدى إقامة بناء جديد بمفاهيم ولغة ومفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد.. أنه بات من الضروري تفكيك الخطاب التقليدي والبنية العقلية التي تقف وراءه، وتأسيس خطاب ديني جديد فضلًا عن تفكيك النص البشري لإعادة بناء العلوم».
وقال رئيس جامعة القاهرة أيضًا: «إنه لا يمكن تكوين عقل ديني جديد بدون تغيير طرق التفكير وتجديد علم أصول الدين، فمن أهم الشروط لتكوين عقل ديني جديد، إصلاح طريقة التفكير، وفتح العقول المغلقة وتغيير طريقة المتعصبين في التفكير، والعمل على تغيير رؤية العالم وتجديد فهم العقائد في الأديان ونقد العقائد الأشعرية والاعتزالية وغيرها من عقائد المذاهب القديمة».
وكان رد شيخ الأزهر في ذلك الوقت، طالبا مداخلة للخشت أثناء انعقاد الجلسة: «ربما لا يعلم الكثيرون ما بيني وبين رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت من مناوشات علمية ومعرفة قديمة.. كنت أود أن كلمة تلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق وهو التجديد، وأن تكون الكلمة معدة سابقًا ومدروسة، وليس نتيجة تداعي الأفكار والخواطر، قلت في السابق عندما كنت رئيس للجامعة أن التجديد مثل أن تُجدد منزل والدك دون أن تسكن فيه»
واستكمال فضيلة الإمام الأكبر كلمته: «هذا ليس تجديدًا هذا إهمال وترك وإعلان الفُرقة لبيت الوالد، والتجديد في بيت الوالد يكون في بيته، ولكن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط العصر».
وتابع: «أن الكلام عن التراث كلام عجيب، كثيرًا ما يقال عن نقد التراث، هذا مزايدة على التراث، هذا التراث الذى نهون من شأنه اليوم خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، كما أن تصوير التراث بأنه يورث الضعف والتراجع يعد مزايدة عليه، ونحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل بما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست حداثية، والحداثيون حين (يصدعوننا) بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ومزايدين على قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث وليس من الحداثة».