رحل عن عالمنا اليوم، رمز من رموز الصحافة المصرية، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا من الكتابات الصحفية التي تشهد بقيم الولاء والانتماء للوطن، التي طالما ما كانت تسري في عروقه، إنه الصحفي الكبير الراحل مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام الأسبق، الذي وافته المنية صباح اليوم عن عمر يناهز 86 عامًا، بعد صراع قصير مع المرض.
و كان الكاتب الصحفي الكبير، قد تعرض لوعكة صحية مؤخرًا دخل على إثرها إلى المستشفى، ومكث في غرفة العناية المركزة منذ نحو أسبوع، جراء مشكلة نقص نسبة الهيموجلوبين.
ويستعرض لكم “صدى البلد جامعات” المسيرة العلمية والفكرية للكاتب الصحفي الراحل، وأهم مواقفه الوطنية..
نشأة الكاتب الراحل مكرم محمد أحمد
ولد الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، في مدينة منوف بمحافظة المنوفية، في الخامس والعشرين من شهر يونيو عام 1935، ثم حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة في جامعة القاهرة عام 1957، لتبدأ بعد ذلك مسيرته المهنية التي كانت علامة فارقة في فهم وتحليل الواقع المصري، مستخدما كتاباته المستنيرة ذات الأسلوب القوي الرصين، التي كان يحرص على متابعتها العالم العربي بأكمله.
المسيرة المهنية لمكرم محمد أحمد
عمل الكاتب الراحل، في البداية، محررًا صحفيًا بقسم الحوادث بجريدة الأخبار، وقال في أحد لقاءاته الإعلامية، إن نقل الحوادث كاشف لطبيعة المجتمع وعلاقاته الداخلية. وقد آمن بأن الجريمة هي مرآة يمكن أن ترى منها المجتمع، خاصةً أنه شهده هذه الفترة اهتمامًا وولعًا بالحوادث، وكانت من ضمن الأبواب الأكثر قراءة.
مواقفه في حرب اليمن
وبدأت الانتصارات والإنجازات تتوالي على الكاتب الصحفي. فقد تولى منصب مدير لمكتب الأهرام في دمشق بسوريا، ثم مراسلًا عسكريا باليمن عام 1967، ونقل حرب اليمن، والتي تعرف من خلالها على جميع القبائل والمدن، وحياة الحرب الحقيقة، والتي وصفها بأنها تعلقت بأرض اليمن أكثر من أي مكان آخر، في إشارة إلى معاناة اليمن من ويلات الحرب.
وتمكن مكرم بفضل قوته وبراعته في مجال الصحافة، من نقل إعلاميا العديد من الحروب الأخرى في المنطقة العربية، مثل: حرب الجزائر والمغرب وحركة التحرير الإريترية وحركة تحرير جنوب اليمن، وهو الأمر الذي جعله يُعرف بـ “رجل الكلمة”، وقد سخر قلمه لنقل الحقيقة دون تجميل.
مواقفه إزاء القضية الفلسطينية
عمل مكرم ، في بداية حياته، مراسلًا عسكريًا في غزة، في الوقت التي احتلتها القوات الإسرائيلية وخرج منها في قارب شراعي إلى بورسعيد عام 1967.
وكان مكرم، أول صحفي يكتب سلسلة تحقيقات عن القادة الإسرائيليين، فهو أول من أذاع نبأ معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، وأول من كتب بصورة مكثفة عن ضرورة توسيع الحوار مع الإسرائيليين في شهر نوفمبر التالي لحرب 73 مباشرةً.
كما يعد أول مصري يدخل سيناء بتصريح من الأمم المتحدة قبل جلاء القوات الإسرائيلية بشهرين، وقد كتب سلسلة مقالات عن سيناء قبل خروج الإسرائيليين.
محاربة الفكر المتطرف
كان للكاتب الراحل، باع طويل في محاربة الفكر المتطرف، والذي ظل يحاربه بكل قوة، وبخاصةً في فترة حكم الإخوان البلاد رغم كل ما تعرض له من مضايقات في ذلك الوقت، فمنذ نهاية التسعينات، حمل مكرم على كتفيه عاتق مراجعة المتطرفين في أفكارهم، ومقارعتهم بالحجة والمنطق، إذ كان يزور السجون برفقة شيوخ لمواجهة الأفكار المتطرفة والتصدى لها، وهو ما أسهم فى إحداث مراجعات للمتطرفين ومن ثم خروج بعضهم بعد تغير فكرهم، فضلًا عن العديد من المؤلفات والكتابات المستنيرة في هذا الشأن.
مسيرة ملهمة
وأخذ مكرم في التدرج في المناصب، حتى شغل منصب رئيس قسم التحقيقات الصحافية بالأهرام، وبفضل الطاقة الصحافية المتدفقة التي كانت تحركه، تولى منصب مساعد رئيس التحرير ثم مديرًا لتحرير جريدة الأهرام، وفي عام 1980، شغل مكرم منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، ثم تقلد منصب رئيس تحرير مجلة المصور، ونقيب الصحافيين من عام 1989 حتى عام 1991، ومن عام 1991 حتى عام 1993.
وفي عام 2007، خاض المعركة الانتخابية في منافسة رجائي الميرغني نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وحصل فيها على 70% من أصوات الناخبين البالغ عددهم 3582 صحافيًا مصريًا.
جوائز وانتصارات
حصد الكاتب مكرم أحمد العديد من الجوائز، على مدار مسيرته الصحافية المشرفة، حاز على جائزة مصطفى وعلي أمين للصحافة، والجائزة الكبرى لنقابة الصحفيين المصريين.
كما حاز الكاتب مكرم محمد احمد، على جائزة الصحافة العربية من نادي دبي بدولة الإمارات، بالإضافة إلى تكريمات وشهادات تقدير من العديد من المؤسسات العريقة، كما اختاره الصحفيون ممثلاً لهم في نقابتهم على منصب النقيب لـ 3 دورات، نظرًا لما يمثله للصحفيين من قيمة كبيرة في هذا المجال الذي أفنى فيه عمره لخدمته.