حارة صغيرة متعرجة، محاطة بالجدران والأركان غير المستوية المليئة بالشقوق، والتي تقف شاهدًا على ما مر بهذا المكان من تغييرات متوالية على مر العصور، فمن هنا وعلى أرض هذه الحارة المتواضعة، التي يمكن الوصول إليها من خلال شارع ضيق متفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية التابع لمحافظة القاهرة، ظهر أقدم “منقد فول مدمس” في مصر.
وفي هذا السياق، يأخذكم “صدى البلد جامعات” في جولة بين صفحات التاريخ للتعرف على بداية ظهور الفول المدمس، وعلاقته بحارة المستوقد بشارع المعز، والذي يعد واحدًا من أهم الأطباق التي لا تخلو منها مائدة السحور في رمضان.
الفول المدمس على أصوله
اشتهرت حارة المستوقد بشارع المعز، بالفول المدمس، حيث كانت تغذي هذه المنطقة العديد من المطاعم المصرية الشهيرة بالفول، وسُميت الحارة بالـ “المستوقد” نسبةً إلى أقدم منقد فول مدمس بمصر، والمملوك لشخص يُدعى “محمد الحاج”.
فمن هنا، على أرض حارة المستوقد، كان يطهى عدد غير محدود من قدر الفول بشكل يومي، ليتم توزيعها على أصحاب المطاعم وعربات الفول، قبل المغرب ليتم بيعه للناس مع بداية الليل، ويزداد الإقبال بشكل كبير خلال شهر رمضان، نظرًا لارتباط الفول بمائدة السحور.
طهي وتسوية الفول
اعتمدت تسوية الفول قديمًا على استخدام مخلفات القمامة، حيث يجمع العاملون أي شئ يمكن إحراقه لاستخدامه في طهي وتسوية الفول، والذي كان يُعرف في ذلك الوقت بـ “فول العجمية”، فكان يتم تسويته على نار هادئة، وتُضاف إليه المكونات من عدس وماء بليلة، بالإضافة إلى مادة غير ضارة تُضفي اللون الأحمر على الفول.
ومع مرور السنوات، تبدلت الأحوال مع فرض وزارتي البيئة والصحة، على أصحاب المستوقدات، عدم حرق القمامة لتفادي التلوث البيئي، حيث تم استبدال هذا التقليد بـ “وابور الشرايط”، والتي يستغرق تسوية الفول فيها حوالي 14 ساعة، وكما تغيرت أساليب الصنعة، تغيرت معها عادات المواطنين، وانخفض الإقبال بشكل ملحوظ على المستوقدات، ليحل محلها المطاعم الفاخرة، وعربات الفول بأشكالها المختلفة.