مبروكة خفاجى أم مصرية من القرن الماضى..نموذج كيف تكون الأمهات بطلات فى حياة ابنائهن، من بين براثن الفقر والجهل وقهر الزوج وانفصاله عنها( طلاقها) وهى حامل فاضت أمومتها حتى غمرتنا جميعًا حتى الآن .
بدورها الاسئثنائى فى حياة ابنها قدمت لمصر أعظم طبيب بل رائد النهضة الطبية الحديثة فى مصر، على باشا ابراهيم أول جراح مصرى، هذه الأم قدمت نموذجاً نادراً للأمومة والكفاح والتضحية من أجل تربية أبنها وتعليمه، فقدمت لنا طبيب وعالم، ووزيرصحة ومؤسس نهضة قصر العينى و جامعة الاسكندرية ومؤسس نقابة الأطباء، كل هذه الانجازات بعض من بصماته فى مجال الطب والتعليم فكان لزاماً فى عيد الأم تقديم سيرة هذه الأم وحكايتها
مبروكة خفاجى فلاحة مصرية اصيلة من قرية مطوبس بمحافظة كفر الشيخ .. تزوجت من ابراهيم عطا وكان يعمل بوسطجى وأنجبت منه ابنها الوحيد على ابراهيم عام 1880.
وتحكى لى حفيدة على باشا ابراهيم ، د.رشا عبد القادر استاذ مساعد جراحة التجميل بقصر العينى قائلة :
مبروكة خفاجى هى كلمة السر فى حياة على باشا ابراهيم ،حياتها كانت صعبة كزوجة ثانية لرجل لدية اسرة وعائلة أخرى لدرجة انه طلقها وهى حامل فى ابنها وتحملت الكثير من اجل رعايته وتعليمه ،رغم فقرها وعدم تعليمها الا أن ايمانها كان شديداً بأهمية التعليم ووصل ابنها الى الابتدائية وحصل على شهادتها بنجاح باهر فقد كان نابغة ولكن تفوقه أغرى الأب بالطمع فيه كى يساعده فى عمله ويترك المدرسة
لم تكتف الأم مبروكة بالرفض ولكنها قررت إبعاد ابنها عن طريق والده مهما كلفها ذلك الأمر ،وفى اليوم الذى جاء الأب ليأخذه الى الاسكندرية ليعمل معه استثمارا لذكائه، هَرّبته السيدة مبروكة ليلا من سطح بيتها الى سطح الجيران بعدأن اعطته كل ما بحوزتها من نقود ورسالة الى احد اقاربها من بعيد ويسمى السمالوطى بالقاهرة وأمرته بسرعة التوجه لمحطة القطار،وصل القاهرة وعاش الابن مع عائلة السمالوطى والتحق بمدرسة “الخديوي القديم”الثانوية ..
أمومة نادرة :
عاشت الأم في الإسكندرية وحيدة. تعمل جاهدة فقط لتضيء حياة ابنها،كانت ترسل له المال باستمرار (في الواقع كل ما يمكن أن تكسبه) ليعيش بشكل مستقل بكرامة،وتحملت هى قسوة الحياة وشظف العيش وكانت تعمل أى شىء حتى لو بائعة فقد كانت تصنع الجنبة فى البيت وتبيعها فى الاسواق وعملت داية او قابلة للسيدات بمقابل مادى ، الابن برع وأنهى دراسته الثانوية والتحق بكلية الطب. كان مدفوعًا بالشغف لتحقيق التميز. كما كان يحفظ القرآن الكريم .. وحاول تخفيف العبء على أمه فكان يرسل لها راتبًا تدفعه له الكلية بسبب تفوقه. و كان يعمل بدوام جزئي لكسب قوته و أحيانًا كان يقرأ القرآن في القبور يوم الجمعة ، ويتقاضى أجرًا مقابل ذلك .
تخرج وأصبح طبيبًا جراحًا مشهورًا. كان أول جراح مصري يتم تعيينه في مستشفى “قصر العيني” ، حيث كان البريطانيون يحتكرون حصريًا مهنة الطب آنذاك .ويشاء القدر ووجد الدكتور إبراهيم نفسه يجري عملية جراحية للسلطان حسين كامل (ملك مصر آنذاك). ليكافئه بالف جنيه ذهبية وبلقب “طبيب السلطان” ، ليذيه صيته فى بر المحروسة كلها
كان حلمه هو بناء مستشفى جديد للقصر العينى ليستوعب آلام الفقراء وكان ينظر دائما من شباك مكتبه كعميد لقصرالعينى على الأرض الفضاء المقابلة للمستشفى وتمنى ان تكون الامتداد الطبيعى للمستشفى.لكن كان يملكها الملك فؤاد ، وكان من المقرر أن يُنشأ عليها قصر ملكي .
القدر بساعده فى حلمه :
وفي أحد الأيام أثناء علاج الملك فؤاد ، طلب منه التبرع بهذه القطعة من الأرض للمستشفى قائلا له انت لديك قصور كثيرة لكن الفقراء لايجدون مكان للعلاج فيه فقال له الملك انت بتحرجنى يا دكتور ابراهيم ، ووافق الملك. بشرط ان يضع هو حجر الأساس لتوسيع المستشفى وبحضر افتتاحها ، لكن التمويل كان مشكلة في ذلك الوقت.
يشاء القدر مرة أخرى أن يمرض رئيس الوزراء آنذاك “إسماعيل صدقي باشا” فانتهز الدكتورعلى إبراهيم الفرصة ليطلب تمويلاً حكومياً. وبالفعل تم تخصيص مليون جنيه مصري للبناء.ليصبح قصر العينى مجموعة مستشفيات عظيمة قبلة التعليم الطبى والعلاج فى مصر
أصبح الدكتور على إبراهيم وزيراً للصحة ومديراً لجامعة القاهرة. وأسس جامعة الإسكندرية والهلال الأحمر وجمعية القرش لتشييد المصانع المصرية. كما أسس نقابة الأطباء والجمعيات الخيرية بما في ذلك جمعية إنقاذ الطفولة. كان على باشا ابراهيم وراء إصدار أول قانون لممارسة الطب في مصر. حصل على تقدير دولي حيث تم الاستشهاد بأبحاثه المهمة في العديد من الأمراض مثل الكوليرا والبلهارسيا على مستوى العالم. حصل على لقب “سير” من بريطانيا والذي حصل عليه فيما بعد الدكتور مجدي يعقوب من ملكة بريطانيا .. هذه هى حكاية بطولة أم من القرن الماضى مردودها هو الأستاذ الدكتور علي باشا إبراهيم ، الذى عاش دون أب ليصبح هو بفضل أمه هو اب ورائد للنهضة الطبية الحديثة في مصر والشرق الأوسط.
شاهد فيديو :