كتب – حبيبة حازم
تدرس مجموعة من الباحثين في جامعة مانشستر البريطانية تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» على الصحة العقلية لدى المواطنين، إثر الإغلاق الأول الذي شهدته المملكة المتحدة البريطانية.
تأثير كورونا على الصحة العقلية:
ووفق ما جاء بموقع جامعة مانشستر البريطانية، في بداية جائحة فيروس كورونا في المملكة المتحدة وبدء إعلان حالة الإغلاق الأولى في بريطانيا، بدأت رسائل الدولة إلى المواطنين لتشجيعهم على المساعدة في السيطرة على الفيروس من خلال «ابق في المنزل»، «احم الخدمات الطبية المحلية»، «انقذ الأرواح».
لكن هناك أمرًا حدث بين صفوف المواطنين انخفض عدد الأشخاص الذين يتصلون بوحدات الصحة الأولية ويزورون أقسام الطوارئ بشكل كبير على الرغم من عدم وجود تعليمات محددة لتجنب طلب الرعاية الطبية. لكن في الوقت نفسه، كانت صحة الناس العقلية تزداد سوءً بسبب الوباء.
وأرد الباحثون دراسة تأثير الجائحة على الأشخاص الذين يتلقون الرعاية الصحية العقلية خلال الوباء، حيث درس الباحثون السجلات الصحية لأكثر من 14 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات وما فوق، الذين تم تسجيلهم في وحدات الصحة الأولية في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
طلب المساعدة في مجال الصحة العقلية في ظل أزمة كورونا:
وتم النظر إلى عدد الأشخاص الذين طلبوا المساعدة في مجال الصحة العقلية لأول مرة، وحدات الصحة الأولية أو في قسم الطوارئ والحوادث بالمستشفيات، حيث اكتشفوا أنه بينما كانت المملكة المتحدة في أول إغلاق لها، انخفض عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة للاكتئاب بنسبة 43%، واضطرابات القلق بنسبة 48% وإيذاء النفس بنسبة 38%.
ولكن هل هذا الانخفاض في البحث عن مساعدة للمرض العقلي وإيذاء النفس يعكس ببساطة امتثال الجمهور للرسائل الحكومية؟ يمكن أن يكون أحد الأسباب المحتملة لهذا الانخفاض هو أن معدلات الإصابة بالأمراض العقلية وإيذاء النفس بين السكان كانت أقل خلال هذا الوقت. كما أن هناك أدلة على أن بعض الشباب شهدوا تحسنًا في صحتهم العقلية خلال الانغلاق فصل ربيع 2020.
وعلى جانب آخر، تظهر معظم الأبحاث أن هذا الإغلاق بسبب كورونا كان له تأثير سلبي على معدلات الضيق النفسي. بالإضافة إلى ذلك، أبلغت بعض الجمعيات الخيرية للصحة العقلية عن زيادات في عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة، مما يدل على أنه لا تزال هناك حاجة لرعاية الصحة العقلية وعلاج إيذاء النفس، لكنهم قالوا إن الناس لم يطلبوا ذلك سريرياً. ويشير هذا أيضًا إلى أن الفجوة بين عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج من المرض العقلي وإيذاء النفس وعدد الأشخاص الذين يتلقون العلاج قد اتسعت بشكل كبير خلال هذه الفترة.
الفئات الأكثر عرضة لأمراض الصحة العقلية:
كما وجد الدارسون انخفاضًا كبيرًا في عدد الأشخاص في سن العمل، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عامًا، والأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات الأكثر حرمانًا ويطلبون المساعدة في علاج القلق والاكتئاب. فكان أكبر قدر للانخفاض في عدد الأشخاص الذين يلتمسون المساعدة في نوبات إيذاء النفس للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 45 عامًا و للنساء ايضاً.
ولقد ثبت أن لجائحة كورونا تأثير سلبي بشكل خاص على الصحة العقلية لهذه الفئات؛ اذ تشير النتائج التي تم التوصل إليها إلى أن مجموعات الأشخاص الأكثر احتياجًا إلى علاج الصحة العقلية كانت الأقل عرضة لتلقي المساعدة. وقد يكون هناك عدد من الأسباب لذلك؛ فتظهر الأبحاث أن توافر الرعاية الطبية وجودتها يمكن أن يكونا في كثير من الأحيان أقل في المجتمعات المحرومة.
وقد يكون من الممكن أن يكون فيروس كورونا قد ساهم بشكل أكبر في المشاكل الحالية- وهو ما قد يفسر جزئيًا الانخفاض في طلب المساعدة في هذه المجموعة- بالإضافة إلى ذلك، فإن اتساع نطاق التفاوتات القائمة بين الجنسين الناجمة عن الوباء يمكن أن يؤثر على قدرة المرأة على التماس الدعم. على سبيل المثال، قد يوازن البعض بين واجبات رعاية الأطفال الإضافية على رأس العمل، مما يجعل الوصول إلى العلاج أو الدعم أكثر صعوبة.
على الرغم من أن وحدات الصحة الأولية تكيفوا بسرعة خلال جائحة كورونا من خلال توفير المواعيد عن بعد، وأن العديد من وحدات رعاية الصحة العقلية في المستشفيات حولت الخدمات بعيدًا عن أقسام الطوارئ في المستشفى لضمان استمرار الوصول إليها، إلا أن النتائج تظهر أن الناس ما زالوا يطلبون المساعدة بشكل أقل خلال فترة الإغلاق. على الرغم من أن بعض الأشخاص ربما لم يطلبوا المساعدة خوفًا من الإصابة بالفيروس، فمن الواضح أن رسائل الصحة العامة لعبت دورًا مهمًا في هذا الانخفاض في طلب المساعدة.
كما أظهرت دراستهم الحديثة أنه بحلول سبتمبر 2020، عاد أعداد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة لكل من المرض العقلي وإيذاء النفس إلى المستويات المتوقعة إلى حد كبير؛ ومن المحتمل أن يكون هذا بسبب رفع القيود وانخفاض معدلات الإصابة بالفيروس، مما يعني أن الناس كانوا أكثر استعدادًا لاستخدام الخدمات الطبية المحلية لكن المملكة المتحدة واجهت مزيدًا من الإغلاق في خريف وشتاء 2020، مما وضع الخدمات الصحية تحت ضغط أكبر.
ومن غير المعروف حاليًا في 2021 كيف ستؤثر هذه القيود على عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة، ولكن بناءً على ما ظهر من الإغلاق الأول، يعد ضمان وصول الأشخاص إلى دعم الصحة العقلية أولوية ملحة.