كتب – هدير علاء الدين
موجات عارمة من الغضب، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، على هامش واقعة انتحار طالب الدقهلية شنقًا؛ بسبب تعنيف والده له، حادثة ليست الأولى من نوعها؛ فقد تكررت على مسامعنا مرارًا وتكرارًا، مع اختلاف الحالات بالتأكيد، ولكن تشابه دائمًا السبب وهو “العنف الأسري”.
كما يقول علماء النفس، إن حل أي مشكلة يبدأ من الوقوف على أسبابها وتحليلها، ومن هنا تقع علينا مسئولية التعريف بظاهرة “العنف الأسري” وأشكالها المتعددة، وتأثيرها الوخيم على الأطفال؛ حتى لا تذهب موجات الغضب تجاه القضية هباءً أو تتجه نحو قضية جديدة، دون إيجاد حل جذري للظاهرة.
تعريف العنف الأسري:
عرفت منظمة الصحة العالمية “العنف الأسري” بأنه جميع أشكال العنف ضد الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، سواء كانت تُرتكب من قبل الأبوين أو غيرهما من مقدمي الرعاية أو الأقران، في حين عرفته الأمم المتحدة في تقريرها حول العنف ضد الأطفال عام 2006م بأنه أي شكل من أشكال العنف أو الأذى الجسدي، أو النفسي، أو الإهمال بأشكاله، وسوء المعاملة، أو أي نوع من الاستغلال، كالإساءات الجنسية.
صور “العنف الأسري” المتعددة:
حددت منظمة الصحة العالمية صور وأشكال “العنف الأسري” في 6 أشكال، واعتبرت أن وقوع أي صورة منهم على الطفل، يعد ذلك بمثابة عنف مُمارس على الطفل، وتتمثل هذه الصور في الآتي:
- العقاب العنيف الذي ينطوي على عنف بدني، أو جنسي أو نفسي، أو وجداني.
- إهمال الرضع والأطفال والمراهقين من قبل الأبوين ومقدمي الرعاية والأشخاص الآخرين ذوي السلطة، داخل المنزل في أغلب الأحيان ولكن أيضاً في سياقات أخرى مثل المدارس ودور الأيتام
- التسلط وهو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من جانب طفل آخر أو مجموعة أطفال من غير أشقاء الضحية أو ممن لا تربطهم علاقة عاطفية بها، وينطوي على إيذاء جسدي أو نفسي أو اجتماعي متكرر، ويحدث غالباً في المدارس أو بأماكن تجمع الأطفال، أو حتى على المواقع الإلكترونية.
- يتركز عنف الشباب في أوساط الأطفال وصغار البالغين في المرحلة العمرية 10-29 عاماً، ويحدث غالبًا في السياقات المجتمعية بين المعارف والغرباء، ويشمل التسلط والاعتداء الجسدي باستخدام أو بدون استخدام أسلحة (البنادق والأسلحة البيضاء مثلاً)، وقد ينطوي على عنف جماعي.
- المعاشرة الجنسية الكاملة أو محاولة المعاشرة الجنسية غير الرضائية، وأعمال الاتجار الجنسي التي ترتكب ضد شخص عاجز عن إبداء الموافقة أو الرفض؛ والاستغلال الإلكتروني.
- تقييد تحركات الطفل، والتوبيخ، والسخرية، والتهديدات والترهيب، والتمييز، والنبذ وغير ذلك من أشكال المعاملة العدائية.
تأثيرات “العنف الأسري” الوخيمة على الطفل:
تتباين تأثيرات “العنف الأسري” الممارس ضد الطفل، منها ما يعتبر قصير المدى، ومنها ما يمكن تصنيفه بالتأثير شديد المدى، فعلى عكس ما يتوقع الكثير، العنف ليس وسيلة للتأديب أو ضبط السلوك؛ فالعنف ما هو إلا عنف يترك بصماته على وجدان الطفل.
رصدت اللجنة الدولية لحقوق الطفل، أهم التأثيرات الناتجة عن مثل هذا السلوك، وهي:
- إصابات مميتة أو غير مميتة، قد تؤدي إلى الإعاقة أحيانًا.
- قد يعاني الطفل من جراء ذلك من مشاكل صحية قد تظهر عليه في مراحل لاحقة مثل: تأخر بالنمو، أمراض الرئة، أمراض القلب، أمراض الكبد، أمراض منقولة جنسيًا في حالة تعرضه لعنف جنسي.
- قد يصاب الطفل باضطرابات معرفية، بما في ذلك اختلال الأداء في المدرسة والعمل.
- قد يعاني الطفل من إحساسه بالشعور بالرفض، وعدم القدرة على الارتباط، والصدمة، والخوف، والقلق، وعدم الشعور بالأمان، وفقدان الثقة بالنفس.
- اضطرابات الصحة العقلية، كالهلوسة، والقلق، والاكتئاب، واضطرابات الذاكرة، وبالطبع محاولات الانتحار.
- إتيان الطفل بسلوكيات خطيرة كشرب السجائر،أو المخدرات،أو الانخراط مبكرًا في ممارسات جنسية.
- اتجاه الطفل للقيام بسلوكيات معادية للمجتمع، كنوع من التمرد، مثل: الهروب من المدرسة وغيرها من السلوكيات المشابهة.
الحلول:
منع الطفل من الوقوع ضحية العنف الأسري، ليس بالأمر المستحيل، وذلك إذا تمت التربية على نهج صحيح، وأيضًا إذا تضافرت الجهود الفردية مع جهود الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وفي هذا السياق، سوف نستعرض أهم أسس التربية الصحيحة، التي أوصت بها اليونسيف، والتي يجب على الوالدين اتباعها في تربية أطفالهم.
الاستماع للطفل:
توصي اليونسيف بأن الاستماع لما يمر به الطفل، أمر هام جدا ويساعد الطفل على الشعور بالأمن والطمأنينة، ومن الأفضل دائمًا ألا تقاطع حديثه حتى تشعره بأنك مستمع جيد له.
اشرح العواقب بدلًا من العقاب:
شرح العواقب التي قد تؤثر على الطفل جراء سلوكه، بدلًأ من التركيز على شرح العقوبات، يساعد على بناء شخصية الطفل الاستقلالية بشكل إيجابي، وينمي لديه الشعور بالمسئولية دائمًا وبأنه سيد قراره.
مثال: إن لم تضع ملابسك بالغسالة، لن تجد ملابس نظيفة ترتديها غدًا.
ففي هذا المثال قمنا بالتركيز على عواقب السلوك على الطفل دون أي تدخل منا كأمهات أو آباء، وأصبح الطفل يعي جيدًا قراراته وتأثيرها عليه.
العقاب المسموح به:
في حالة إذا تصرف الطفل بشكل سلبي، يجب أولًا محاولة الحديث معه بهدوء؛ لمعرفة إذا ما كان يمر بمشكلة خارج المنزل ويحتاج للمساعدة، ولكن إذا لم يكن هناك سبب للتصرف الذي يقوم به الطفل، هنا يبدأ دور العقاب، ولكن بشروط أهمها:
- ألا يتضمن العقاب أي تعنيف.
- ألا يتم حرمان الطفل أو المراهق من حق الطعام أو الذهاب للمدرسة.
ولكن الأفضل أن يرتبط العقاب بأحد الامتيازات مثل: تقليل وقت الجلوس مع الأصدقاء، أو إضافة مسئوليات بسيطة كالقيام بمهام وأعمال جديدة.