كتبت – هدير علاء الدين
ظهر مفهوم “النانو تكنولوجي” أو “التقنيات متناهية الصغر” على يد الفيزيائي ريتشارد فاينمان خلال محاضرته الشهيرة في اجتماع الجمعية الفيزيائية الأمريكية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1959م، ويعد علم النانو تكنولوجي هو العلم الذي يهتم ببناء وتصنيع المواد والأجهزة على مقياس النانو.
النانو تكنولوجي هو عبارة عن وحدة قياس صغيرة للغاية تساوي جزء من مليار جزء من المتر؛ أي عشرة أضعاف ذرة الهيدروجين، حيث يبلغ قطر شعرة الإنسان حوالي 80000 نانومتر، وعند هذا المقياس تختلف الخواص الكيميائية والفيزيائية للمواد؛ مثل اللون، والصلابة، والموصلية، والتفاعلية اختلافاً كبيراً عن المقياس العادي.
قد يبدو في البداية كتعريف معقد بعض الشيء، ولكن “النانو تكنولوجي” أصبح من أهم متطلبات الوقت الحالي؛ فمن خلال تطبيقه في العديد من المجالات يسهم في خدمة البشرية في النهاية، وييسر للعلماء طريقهم نحو الإبداع.
تتعدد تطبيقات “النانو تكنولوجي”، فيمكن استخدامه في المجال الطبي، والمجال العلمي، ومجال الفضاء، ومجال الطاقة، وحتى مجال التجميل، وغيرها الكثير.
النانو تكنولوجي والطب:
للنانو تكنولوجي أهمية كبيرة في معالجة الجلطات الدموية، حيث مازالت أبحاث النانو في هذا المجال تتقدم بشكل سريع بهدف إنتاج روبوتات نانوية يتم إرسالها الى تيار الدم لازالة الجلطات الدموية من جدار الشرايين دون الحاجة إلى عمليات أو تدخل جراحي.
كما يساعد أيضًا في احد من انتشار الخلايا السرطانية؛ حيث توصل العالم البروفيسور مصطفى السيد الى إمكانية علاج السرطان باستخدام مركبات الذهب النانومترية، من خلال توصيل الأدوية، أو الضوء، أو الحرارة، لهذه الخلايا بطريقة تنجذب فيها إلى الخلايا المريضة فقط وتبدأ بعلاجها؛ مما يتيح الكشف المبكر عن المرض.
ومازالت جهود العلماء والباحثين قائمة حتى الآن، للخروج بأفضل النتائج من خلال هذه التقنية، حيث أظهر باحثون بجامعة ويسكونسن الأمريكية، ضمادة تطبق نبضات كهربائية على الجرح باستخدام الكهرباء التي تنتجها المولدات النانوية التي يرتديها المريض، ومن المنتظر أن يتم استخدام النانو تكنولوجي في إجراء العمليات الجراحية الدقيقة.
النانو تكنولوجي والمجال العلمي:
وصل استخدام تقنية “النانو تكنولوجي” إلى مجال معالجة المياه، فيتم استخدام مرشحات النانو في عملية التحلية وإزالة الاملاح من الماء للتخلص من الكلور أو أي مواد أخرى قد تكون موجودة في الماء وتسبب أضرار للإنسان؛ من خلال عدة تقنيات منها الترشيح النانوي ومرشحات أنابيب الكربون النانوية .
النانو تكنولوجي والفضاء:
يتم استخدام “النانو تكنولوجي” في تصنيع بدلات فضاء خاصة تحتوي على جسيمات نانوية تعمل على إصلاح الأضرار التي قد تلحق ببدلات الفضاء، و مازالت أيضًا الجهود مستمرة لإنشاء شبكة من المستشعرات النانوية في الكواكب، مثل كوكب المريخ للبحث عن مناطق تواجد المياه وغيرها من المواد الكيميائية، بالإضافة إلى ذلك يتم استخدام أنابيب الكربون النانوية لبناء أشرعة شمسية خفيفة الوزن على المركبات الفضائية، تستخدم ضغط ضوء الشمس المنعكس على خلايا شمسية موجودة على المركبة؛ لإنتاج قوة دافعة تدفع المركبة الفضائية وذلك بدلاً من تزويدها بالوقود لتشغيلها خلال المهمات بين الكواكب.
النانو تكنولوجي والطاقة:
استطاع الباحثون تطوير ألياف نانوية كهرضغطية مرنة تُنسج في الملابس،يتم من خلالها تحويل الطاقة الناتجة عن حركة الأجسام إلى طاقة كهربائية تسمح بتشغيل الأجهزة الإلكترونية المحمولة، وكذلك يتم استخدام جزيئات أكسيد التيتانيوم النانوية -المحفزات الضوئية- لقتل البكتيريا على الأسطح، فتُصنع على شكل غشاء رقيق يوضع على السطح، وعند تعرضها للضوء تبدأ بالتفاعل الكيميائي الذي يقتل البكتيريا.
النانو تكنولوجي والتجميل:
بفضل تقنية Nano Infusion Therapy، يمكن الآن محاربة كافة مشاكل البشرة بكل سهولة، كل ما عليك هو زيارة المركز التجميلي؛ ليتم فحص البشرة بالكامل لمعرفة المواد التي تفتقر إليها، كالفيتامينات، والمعادن، والكولاجين، و من ثم يتم تجميع تلك المواد ضمن سيروم، ويتم وخزه في المنطقة المتضررة ليصل السيروم إلى الخلايا الداخلية، ولكن دون أي ألم يُذكر، ولا تستغرق سوى 30 دقيقة.
وعلى ذكر تلك التقنية، فقد حصدت خبيرة التاتو Dominique Bossavy على شهرة كبيرة بفضل إعلانها عن تقنية Nano Colourالمستوحاة من التقنية السابقة؛ لإخفاء التشققات في الجسم والتصبغات البيضاء، ولكن بدلًا من استعمال السيروم، يتم وخز لون الجلد على التشققات لإخفائها، وكأنك تلجئين إلى التاتو.
وكذلك يتم استخدام الجسيمات النانوية في منتجات العناية بالبشرة التي تعمل على توصيل الفيتامينات إلى عمق الجلد، وتُستخدم أيضاً في الكريمات الواقية من الشمس؛ لمنع الأشعة فوق البنفسجية من اختراق الجلد دون ترك آثار بيضاء عليه.
مخاوف وشكوك:
على الرغم من الفوائد العلمية المتعددة لتقنية “النانو تكنولوجي” إلا أن هناك الكثير من المخاوف بشأنها؛ فالبعض يخشى من تحولها لسلاح مدمر، حيث يتخوف بعض العلماء و الخبراء وواضعي السياسات العلمية من أن التعمق كثيرًا في هذه التقنية قد يعرض مستقبل الحضارة البشرية للخطر وخاصة مع سيطرة الآلات الدقيقة على مقدرات الكون وأخذ الأدوار المنوط بالبشر القيام بها.
كما يتخوف العلماء أيضًا من انتقال الجسيمات والمواد النانوية متناهية الصغر إلى الجسم البشري، واختراقها لخلايا النبات والحيوان مؤدية الى تأثيرات ضارة على الخلايا، و تكمن خطورة الجزيئات النانوية في صغر حجمها وانتشارها السريع، و تزداد الخطورة خاصةً إذا احتوت هذه الجزيئات على مواد سامة رسخت فيها أثناء التصنيع.