مع تغير الشكل التقليدي للتعليم الجامعي خلال الشهور الماضية، وتحوله تدريجيًا لتعليم مزدوج، ورويدًا سيتحول كليًا إلى تعليم إلكترونى باستخدام المنصات التعليمية، بدءً من العملية التعليمية، وصولًا بإختبارات وتصحيح إلكتروني.
قامت الجامعات المصرية، تزامنا مع تطبيق التعليم الهجين، بتحميل المقررات الدراسية، على مواقع الكليات المختلفة بعد تحويلها إلي إلكترونية، وقامت عدد من الكليات بإلغاء الكتاب الجامعى، بينما قامت الأغلبية، بتحميل الكتب وتحويلها إلى إلكترونيًا… وبين هذا وذاك نطرح تساؤل هل هتنتهى أسطورة الكتاب الجامعي في الجامعات المصرية؟ وهل ستتحول جائحة كورونا إلى منقذ للطلاب الجامعيين من استغلال وسطوة بعض الأساتذة، أم سيتحول التعليم الجامعي إلى تعليم إلكترونيًا شكلًا وتقليديًا في المضمون؟
الكتاب الإلكتروني:
بدأت عدد من الكليات، وعلى رأسها كلية الآداب جامعة عين شمس، تطبيق الكتاب الإلكتروني مع بداية العام الدراسي 2020-2021، وذلك بعدما تخلصت من الكتاب الورقي ورفع المقررات إلكترونيًا، وذلك في إطار القضاء على الكتاب الورقي التقليدي نهائيًا بكل أقسام الكلية، ومن المنتظر تقييم التجربة برمتها عقب إنتهاء الفصل الدراسي الأول، والتعرف على مدى استفادة الطلاب من التجربة.
من جانبها أقرت جامعة القاهرة عدد من الضوابط المنظمة للكتاب الجامعي، بدءً من القواعد العامة التنظيمية، والمراجعة، والإستفادة منه بضم كافة المراجع، وكيفية تحقيق التوازن الاقتصادى لأستاذ دون استغلال الطالب.
فمن جانبه أعلن الدكتور محمد عثمان الخُشت، رئيس جامعة القاهرة، اتخاذ خطوات جادة وحاسمة حول وضع الضوابط والقواعد العامة الصارمة المنظمة للكتاب الجامعي، ومواجهة منافذ بيع الكتب والملازم والملخصات خارج الجامعة، وذلك في إطار سعي الجامعة نحو جودة العملية التعليمية والتحول نحو العالمية.
وأكد الدكتور الخشت، ضرورة جودة الكتاب الجامعي المرجعي، بوصفه أحد المصادر للمادة الدراسية لتغطية كامل مفردات مقرر تدريسي واحد أو أكثر أو جزء منه، بجوار المراجع والقراءات الأخرى، مشددًا على التنسيق الكامل والمتواصل مع المصنفات الفنية وسائر الجهات المعنية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية مع منافذ بيع الملازم خارج الجامعة.
وقال الدكتور الخشت، إنه تم وضع عدة قواعد ومعايير لوضع الكتاب الجامعي وعلى الجميع الالتزام بها وعلي رأسها الاحترام والتطبيق الكامل لحقوق الملكية الفكرية، والتزام الكليات والأقسام العلمية بضمان تطوير المادة العلمية لتكون مواكبة للتطور العلمي في مختلف التخصصات، ومُتسقة مع توصيف المقرر المُعتمد كل عام دراسي جديد.
وأضاف الدكتور الخشت، أن المعايير تشمل تحديد قوائم بمراجع تُشجع الطالب على البحث والاطلاع والمناقشة والمقارنة والاكتشاف، مع ضرورة توافرها بمكتبات الكليات أو الجامعة أو المواقع الاليكترونية التي تلتزم بحقوق الملكية الفكرية، علي أن تكون لجان المراجعة العلمية للكتب الجامعية التي تُشكلها الأقسام هي جهة الاعتماد لأية مواد مطبوعة، ويشترط موافقة القسم على رأي اللجنة.
وشدد الدكتور الخشت، علي أنه غير مسموح لأي عضو هيئة تدريس في أية كلية من الكليات تجاوز الأسعار الاقتصادية أو المغالاة فيها، والتي يحددها مجلس الكلية، علي أن تلزم الجامعة من يخالف ذلك برد هذه الزيادات للطلاب، مع اتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة في هذا الشأن، إلي جانب رفض إجبار الطلاب على شراء الكتب والملازم بأية صورة وعدم السماح بربط ذلك بتقييم الطالب ودرجاته على أي وجه كان. فضلا عن منع التدريس عن طريق الملازم أو الملخصات، والتي تتداول بشكل منفرد خارج نطاق كل كلية دون اعتماد الجهة العلمية والإدارية المختصة.
وتابع الخشت : يُمنع تحصيل أية مبالغ من الطلاب غير مقررة من مجلس الكلية ومعتمدة من رئيس الجامعة، ويكون المقرر الدراسي في حدود السلطة التقديرية للقسم العلمي المختص وفي حالة اشتراك أكثر من عضو هيئة تدريس في تدريس مقرر واحد يكون الكتاب المرجعي مشتركًا بينهم في مادة علمية واحدة لتحقيق مبدأ المساواة بين الطلاب وتحقيق الاستفادة الأكبر وما يترتب على ذلك من وجود ورقة امتحانية موحدة لجميع طلاب الفرقة الواحدة في ذات المقرر.
وأشار رئيس جامعة القاهرة، إلي أنه على الأقسام العلمية تحديد كتاب مرجعي آخر للطلاب عند عدم وجود كتاب مرجعي للطلاب خاص بأستاذ المادة يقرره القسم، ويجب أن تكون كافة الكتب مُتاحة قبل بداية الفصل الدراسي وبحد أقصى أسبوعين من بدايته.
وقال الدكتور الخشت، إن هناك عدة إجراءات ومعايير لابد من الالتزام بها داخل كليات ومعاهد الجامعة وهي قبل بداية كل فصل دراسي بوقت كاف يقوم كل قسم علمي من الأقسام بالكليات والمعاهد بتشكيل لجان مراجعة علمية للكتب الجامعية المقترح تدريسها، وتتألف كل لجنة من ثلاثة أعضاء، يقومون بتقديم تقارير المراجعة لرئيس القسم المختص، وبناء على نتائج التقارير يتم اعتماد الكتاب المرجعي أو عدم اعتماده ككتاب مرجعي للمادة الدراسية.
وأضاف أنه إلى جانب قيام اللجنة العلمية بالاعتماد على مواصفات قياسية ومعايير مهمة عند مراجعة جودة الكتاب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الالتزام بالمنهج العلمي في التأليف، وتوافق محتوى الكتاب مع الأهداف التعليمية المُستهدفة والتوصيف الخاص بالمادة العلمية للمقرر ويغطي جميع مفرداته، وتكون مقدمة الكتاب واضحة وتعطي فكرة موجزة عن محتويات الكتاب وطريقة تدريسه، وكيف يتعامل معه الطالب، وطريقة عرض المحتوي بشكل واضح ومنطقي ومتسلسل ومترابط مع جودة إخراج الكتاب والتزامه بالمواصفات الفنية من حيث (عدد الصفحات التي تتوافق مع ساعات تدريس المادة في اللائحة )؟ وضرورة خلوه من الأخطاء الإملائية والنحوية، لا سيما النصوص الدينية.
واشار الدكتور الخشت إلي ضرورة وجود قائمة بالمصادر والمراجع والقراءات الإضافية حول كل موضوع، وأن يكون للكتاب المرجعي رقم إيداع وترقيم دولي، مع مراعاه توافق المادة العلمية للكتاب مع توصيف المقرر المعتمد من القسم والكلية مع وضع صورة من هذا التوصيف وتقسيمه على أسابيع الدراسة في كل فصل دراسي في مقدمة الكتاب.
خطة التطوير في عين شمس:
قامت جامعة عين شمس، بإعداد خطة لتطوير الكتاب الجامعي للكليات ذات الكثافة العالية “الحقوق والتربية والآداب والبنات والتجارة”، والمشروع يعتمد على منح الطالب “سي دي” يحمل “كود” خاص لكل طالب يتم من خلاله تحميل الكتب الدراسية والمقررات عبر شبكة الإنترنت، من خلال دفع قيمة بسيطة مضافة لقيمة المصروفات الدراسية.
الكتب التقليدية:
على الجانب الآخر، واصلت عدد من الجامعات الحكومية، طبع الكتب الدراسية، للعام الدراسي 2020-2021، مع مراعاة الإجراءات الإحترازية للطبع والتوزيع، وقامت عدد من الجامعات برفع المناهج الدراسية على المنصة التعليمية الموحدة ” مايكروسوفت”.
من جانبه قال الدكتور محمد لطيف أمين المجلس الأعلى للجامعات، جميع الجامعات تعمل على تطبيق البرامج الالكترونية، لافتا أن نظام التعليم الإلكتروني يقوم على التعاون بين الطالب والأستاذ ولابد من أن يتفاعل الطالب مع أستاذه بحرص واهتمام، مشيرا إلي أن المجلس يعمل على تحسين الامور وتطبيقها من خلال التدريب المستمر.
وأوضح لطيف في تصريحات صحفية سابقة، نسعى إلى الغاء الكتاب الجامعى وزيادة التفاعل بين الطلاب والاستاذ من خلال النظام الالكتروني”، مؤكدا أن رؤساء الجامعات متابعين بشكل فورى مع عمداء الكليات لتطبيق منظومة التعليم الإلكتروني من خلال تقارير يومية وهو تفاعل غير مسبوق يؤكد حرص جميع أطراف المنظومة التعليمية على إنجاح التجربة.
مستقبل الكتاب الجامعى
من جانبه علق الدكتور إيهاب البديوى، أستاذ بجامعة طنطا، أن التعليم الألكترونى، يعد أحد الحلول، التي لجأت إليها الدول لمواجهة انتشار فيروس” كورونا”، وعدم تعطيل العملية التعليمية بشكل كامل في الوقت نفسه، وأيضا قام بتسريع استخدام التكنولوجيا الفكرية -ثورةالمعرفة – ثورة التحول الرقمي العالمي في جميع القطاعات وأخص قطاع التعليم.
وفي ظل اعتماد التعليم الهجين من وزارة التعليم العالي، فقد أتاحت عدد من الكليات المقررات الإلكترونية عبر المنصات بالجامعات، لضمان سهولة التواصل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وتقديم المعلومات والخدمات بالنظام الإلكترونى.
وتابع البديوى، أعتقد من وجهة نظرى الشخصية أنه لن يتم إلغاء الكتاب الجامعى نهائيا فى الوقت الحالى ، بل سيتم دمجه مع المقررات الإلكترونية ، وسيتم التعامل به وفقاً لخطة التعليم الهجين.
وعن الأضرار الاقتصادية التي سيقع فيها الأستاذ الجامعي بسبب إلغاء الكتاب الورقي، أكد البديوى، سوف نجد أن بعض الأساتذة قد يمتنعون عـن تحويل كتبهم الورقية إلى كتب إلكترونية دون حصولهم على حقوق التأليف، وملكيتهم الفكـرية، إلا إذا وفـرت الجامعات الحقوق المادية للأستاذ الجامعي مقابل إعداد المواد التعليمية وتأليفها، وتعويضهم عن توزيع الكتاب الورقي، ونرى أن الشكل الأمثل لتعظيم الأستفادة الكاملة للطلاب من المادة التعليمية، مشيرًا إلى أن التعليم عن بعد يتطلب معلم ومتعلم لديهم مهارات تكنولوجية لاستخدام هذه المنصات والتعامل معها بشكل جيد، ويوفر لهم المعلومة وفقًا لقدراتهم وإمكانتهم والوقت والمكان المناسب لتلقي الخدمة التعليمية بأساليب التكنولوجيا المعاصرة ، يعتبر أفضل الحلول في الوقت الحالي.
مسمى معيب:
وتابع الدكتور وائل كامل، أستاذ التربية الموسيقية، جامعة حلوان، الكتاب الجامعي ذلك المسمى الذي لا يوجد له نظير في أى جامعة من جامعات الدول المتقدمة هو مسمى معيب يتسبب في تحويل جامعاتنا لمدارس ثانوي وإعدادي، فالتعليم الجامعي ذو الجودة المفترض ان يكون قائم على البحث والإطلاع وجمع المادة العلمية من مراجع متعددة بمدارس فكرية مختلفة لتنتج خريجين قادرين على تحديث معلوماتهم بشكل مستمر ومتنوعي الفكر والمهارات.
ضعف الرواتب:
وأشار كامل، إلى أن السبب في استمرار وجود هذا المسمى المعيب والإصرار على وجوده بالشكل الحالي هو أولًا وأخيرًا لكسب المال بسبب ضعف الرواتب والمعاشات التي لم تعد تكفي المتطلبات الاساسية لعضو هيئة التدريس واسرته، كذلك لان القائمون على صناعة القرار بالجامعات محظور عليهم الحديث بشأن ضعف الرواتب والمعاشات.
تصحيح الأوضاع المغلوطة:
وطالب الدكتور وائل كامل، بضرورة تصحيح الأوضاع المغلوطة والمطالبة برفع الرواتب والمعاشات فكل عضو هيئة تدريس يحاول بطريقته توفير الحد الأدني اللازم لمتطلباته الاسرية والبحثية ولذلك بعضهم يتكسب من بيع كتابه ولهذا لن نجد اي صوت يطالب بالغاء الكتاب الجامعي والانتقال للمصادر المتنوعة والبحث في المكتبات الجامعية رغم توفر بنك المعرفة الذي يتيح ٱلاف المراجع لكل التخصصات، ودائمًا ما يقتصر الحديث بشأن الكتاب الجامعي ويختصر في طريقة حساب المقابل المادي والنسبة التي ستحصل عليها الكلية أو الجامعة من بيعه ومشاركة الأستاذ في المكسب، وهل سيباع بالكلية أم لا أو اشتراك أكثر من عضو في الكتاب الجامعي.
وأنهى كامل رأيه، قائلًا: “المفترض طالما هناك إصرار على التعليم الهجين لابد أن يكون هناك إصرار على الانتقال للمصادر والمراجع المتعددة والغاء الكتاب الجامعي، ولكن نظرا لما اوضحته سابقًا، فالحديث سيقتصر على تحويل الكتاب الورقي لإلكتروني ليباع بنفس الشكل”.