وثيقة التنوير لـ جامعة القاهرة تؤكد: الجامعة مدنية عقلانية والحرية مكون أصيل بها يؤمن بحق الاختلاف والتنوع في إطار الدولة الوطنية
ثلاث سنوات مضت منذ تولي الدكتور محمد عثمان الخشت رئاسة جامعة القاهرة وإصداره وثيقة الجامعة للتنوير، بعد أن انتهى مجلس الثقافة والتنوير من إعدادها في شكلها النهائي، والتي تضمنت تحويل جامعة القاهرة إلى جامعة من الجيل الثالث، مع استعادة فكر الآباء المؤسسين في التنوير والعقلانية والتعددية والمواطنة، وفتح مسارات جديدة للتقدم وتوظيف المعرفة في التنمية الشاملة للدولة، والتوسع في التخصصات البينية وتنمية فكر ريادة الأعمال وإدارة المشروعات والبرامج التدريبية للإعداد لسوق العمل، وتضمنت وثيقة الجامعة للتنوير مجموعة من المبادئ التي حددت هوية الجامعة ومساراتها، وعملت الجامعة على تحقيقها علي أرض الواقع علي مدار الثلاث سنوات يمكن رصدها علي النحو التالي:
حيث أكدت وثيقة التنوير في أولى مبادئها على أن جامعة القاهرة مدنية، عقلانية، والحرية مكون أصيل من مكوناتها مع تأكيد حق الاختلاف وتنوع الفكر الخلاق في إطار الدولة الوطنية، ومن ثم عدم التعصب لتيار ضد تيار، فالجامعة بيت للمصريين جميعًا، وقد أعطى تطبيق هذا المبدأ الفرصة الكاملة لتمكين المرأة داخل الجامعة حيث شهدت الانتخابات الطلابية لأول مرة فوز طالبة برئاسة اتحاد طلاب الجامعة.
كما أفسحت الجامعة المجال أمام الجانب النسائي لتولي المناصب القيادية بمختلف كليات الجامعة وإدارتها بناء على درجة الكفاءة والاستحقاق للمنصب، بهدف تمكين المرأة وتعزيز دورها الفاعل في البيئة المحيطة، حيث تم تعيين أول نائبة لرئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، وتعيين ٩ عميدات كليات، وتكليف مجموعة كبيرة من عضوات هيئة التدريس في مناصب قيادية على مستوى الجامعة مثل وكالة الكليات والمدن الجامعية، والمكتب الدولي وغيرها، وتم تعيين إدارة أكاديمية كاملة من السيدات لكلية الإعلام وكلية الطب والتمريض حيث تم تعيين 3 وكيلات للكلية بالإضافة إلى عميدة الكلية، وغيرها من القرارات التي اتخذها رئيس جامعة القاهرة في ملف تمكين المرأة كخطوة لتغيير الأفكار والنظر إلى المرأة باعتبارها إنسان.
المبدأ الثاني للوثيقة يؤكد على هوية الجامعة المستنيرة القائمة على قيم التعايش وتقبل الآخر، وحرصت الجامعة في هذا الصدد على تنظيم “يوم الشعوب” لطلابها الوافدين على مدار ثلاث سنوات لكونهم يمثلون القوى الناعمة في التعليم العالي بمصر، وأتاحت الفرصة أمامهم للتعبير عن ثقافات شعوبهم وحضاراتهم وملامح الحياة داخل بلادهم مما ساهم في تحقيق التواصل والتعارف وتبادل الخبرات بين الطلاب.
ومن بين المبادئ الأساسية التي نصت عليها وثيقة جامعة القاهرة للتنوير، تحديد مفهوم التنوير بوصفه ممارسة عقلانية تقترن بالجرأة على استخدام التفكير العقلاني النقدي بالمعني الحداثي، وفي هذا الإطار عملت الجامعة على تغيير طرق التفكير لدي طلابها حيث تمت استضافة الجامعة لكبار المسؤولين والمفكرين والعلماء والمثقفين خلال فعاليات الموسم الثقافي للجامعة، وإقامة الحفلات الفنية الراقية للارتقاء بالذوق الفني والوجدان.
بالاضافة إلى إطلاق معسكر قادة المستقبل لطلابها علي مدار 3 سنوات ليأتي في إطار مشروع فكري تبنته الجامعة واستهدف تطوير العقل المصري ليقوم على التفكير العلمي والنقدي والعقلاني من أجل بناء مجتمع جديد، ويأتي في إطار تفعيل دور الجامعة كأحد المؤسسات التنويرية التي يقع عليها الدور الأكبر في بناء شخصية المواطن بوصفه جوهر الدولة وأساس الأمن القومي، وضم المعسكر 6 أفواج تضمن كل فوج 100 طالب وتم تخريج 600 قائد لديهم القدرة على تغيير طرق تفكير زملائهم من الطلاب.
وفي ضوء سعي الجامعة لتطبيق ما نصت عليه وثيقة التنوير في تكوين خطاب ثقافي وديني جديد يعتمد على التأويلات الدينية بوصفها البديل عن التفسير الواحد المغلق ووهم امتلاك الحقيقة المطلقة وتأسيس تيار عقلاني عربي مقاوم للإرهاب، قدم الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، رؤيته لتأسيس الخطاب الديني الجديد والذي يحتاج إلى علوم جديدة لمواكبة المناهج العلمية، وضرورة التمييز بين المقدس والبشري، لأن جهود السلف والعلماء من أهل الفقه والتشريع، هي جهود بشرية قابلة للصواب والخطأ، أما المقدس هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
والخطاب الديني الجديد يضرب الفكر الإرهابي في مقتل، فالفكر الإرهابي يستخدم المتطرفين لصالح قوي كبري تسعي للتخريب من خلال افتعال الأزمات تحت بعض الشعارات، ويجب أن يقوم الخطاب الديني الجديد على العقلانية النقدية والتفكير النقدي بما يلائم ظروف العصر، ويشمل تطوير العقل جوانب خمسة حاكمة له تطويرا عقلانيا نقديا بطريقة منظمة، وهي: تطوير العقل النظري، تطوير العقل الديني، تحرير ملكة الوجدان، إصلاح طريقة عمل الطاقة الغريزية، تطوير العقل العملي.
كما شارك الدكتور محمد الخشت، في فعاليات مؤتمر الأزهر العالمي المقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت عنوان “تجديد الفكر الإسلامي”، حيث طرح الدكتور محمد عثمان الخشت رؤية جديدة لتكوين عقل ديني جديد.
ونصت الوثيقة في مبدأها السادس على الانفتاح على تجارب التنوير الأخرى والتيارات العالمية وتاريخ الأفكار والفنون وتنوع مصادر المعلومات والتمكين التكنولوجي لكافة عناصر الجامعة من منظور المصلحة القومية، وحرصت الجامعة في هذا الإطار على مدار 3 سنوات علي عقد العديد من الشراكات والتحالفات والدرجات العلمية المشتركة مع جامعات عالمية مرموقة بهدف تبادل الأساتذة والطلاب، إلى جانب تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة.
ومن بين المبادئ التي نصت عليها وثيقة التنوير، بناء نسق فكري ومعرفي مفتوح ومتحرر ومتطور في مواجهة النسق الفكري المغلق والمتشدد والجامد يقوم على التفكير الإبداعي الخلاق واستدعاء الوعي النقدي التحليلي بعيدًا عن القوالب الجاهزة التي تعيق الإبداع والتطور وضد العقل السلبي القائم على الحفظ والتلقين والتسليم بالحقيقة الواحدة التي لا تقبل التغيير، وتحقق ذلك داخل الجامعة من خلال تطوير المناهج الدراسية، وادخال منهج التفكير النقدي ومنهج ريادة الأعمال.
حيث إن مواجهة التفكير المتشدد لن تتم بدون تطوير طريقة التفكير وتطوير العقل وتأسيس خطاب ديني جديد، لأنها كلها أمور مرتبطة ببعضها، ولأن المنهج الذي يحكم كل هذا في النهاية كامن في العقل البشري وآلية عمله، وعملت الجامعة علي تغيير ماكينة التفكير لدي الطلاب والأساتذة ، من خلال تغيير المناهج وطرق الامتحانات وطرق الشرح، لخلق أجيال جديدة قادرة على التفكير وإحداث التغيير والتنمية والنهضة الشاملة، فتغيير فكر الأشخاص سينعكس على العمليات الاقتصادية.
وفي ضوء سعي الجامعة لتحقيق ما نصت عليه وثيقة التنوير في بناء بيئة تعليمية تحفز روح الابتكار والإبداع والحرية الأكاديمية، والعمل للقضاء على التعليم المولد للإرهاب، قامت الجامعة بتطوير المحتوي التعليمي والبحثي واستحدثت العديد من البرامج واللوائح الدراسية بمرحلتي البكالوريوس والليسانس والدراسات العليا.
كما قامت الجامعة بإطلاق مسابقة لأساتذة الجامعات والمفكرين والمتخصصين، أفرادًا ومجموعات للمشاركة في مسابقة إعداد أو ترجمة كتابين، الأول عن التفكير النقدي، والثاني عن ريادة الأعمال، ليكونا مقررين دراسيين ومتطلبين من متطلبات التخرج لجميع طلاب الجامعة باختلاف تخصصاتهم، وتدريسهما مرة واحدة فقط للطلاب خلال فترة الدراسة، ويؤدى فيه الطالب الامتحان.
واستهدف مقرر التفكير النقدي تزويد الطلاب بمهارات التفكير وتطبيقها في جميع المواقف والمجالات والمشكلات التي يواجهونها في حياتهم اليومية ليكونوا بناء منطقيًا للحجج والآراء المطروحة وأنواعها وتحليلها واكتشاف مدى صدقها وصحتها وجوانب القوة والضعف فيها ورصد الأخطاء الشائعة في التفكير وبخاصة الأحكام المسبقة، بينما استهدف مقرر ريادة الأعمال تزويد جميع الطلاب بالمهارات اللازمة لنجاحهم كرواد أعمال من خلال اكتسابهم أساسيات بدء المشروعات ووضع خططها والبحث عن مصادر تمويلها وتسويق منتجاتها أو خدماتها.
وفيما يتعلق بالمبدأ الـ11 للوثيقة والذي يهدف إلى إعادة تطوير أساليب التقويم والامتحانات لتختبر المهارات وطرق التفكير ومخرجات التعليم على أساس النتائج بدلا من التركيز فقط علي عملية التعليم والحفظ التي تعد الأساس الخصب لتكوين عقول مغلقة لا تفكر، ومن ثم يستطيع صانعو الإرهاب أن يوظفوها بسهولة وهم يلعبون لعبة ” السمع والطاعة” من أجل حياة بعينها يفرضونها علي الجميع، وقامت الجامعة بإحداث تحول تدريجي في أنظمة الامتحانات داخل مختلف كلياتها لتغيير طرق التفكير لدي الطلاب.
وحددت الجامعة مواصفات الورقة الامتحانية والتي يجب أن تتضمن عدد ورقات الإجابة، ودرجة كل سؤال بالامتحان، ومدى توزيع أسئلة الامتحان على جميع أجزاء المنهج، وكذلك تراعى ورقة الامتحان التدرج من السهل للصعب في وضع أسئلة الامتحانات، بالإضافة إلي مراجعة كل امتحان من قبل لجان المراقبة الامتحانية، ولجان الجودة بالكليات قبل طبعها، وتضمنت الورقة الإمتحانية العديد من المواصفات منها المواصفات الشكلية والمواصفات الموضوعية للورقة الامتحانية (المضمون)، وآلية مراجعة الامتحان، ونموذج مقترح لورقة الأسئلة، واستمارة تقييم الورقة الامتحانية لمرحلة البكالوريوس، واشتملت الورقة الإمتحانية علي أسئلة الاختيار من متعدد، وسؤال حل المشكلات، والسؤال المقالي.
ونصت الوثيقة على عدم التمييز علي أساس ديني أو عرقي أو اجتماعي أو سياسي أو غيره من أسس التمييز التي تتعارض مع فكرة المواطنة، فالجميع محكوم بمبدأ المواطنة، والجميع سواء أمام القانون، والكل متساوون بوصفهم مواطنين، والديمقراطية أكبر ضامن للسلام الاجتماعي، وهي الأسلوب الأمثل في إدارة الخلاف بين الجميع في إطار الدولة الوطنية، ولا يمكن أن تحقق الديموقراطية أغراضها دون نبذ العنف والإرهاب والتطرف وتفكيك الأصوليات المغلقة.
وعملت الجامعة لتحقيق ذلك من خلال فتح مجال المنافسة بين الطلاب في الانتخابات الطلابية في ضوء الالتزام بنطاق التيار الوطني الواسع، وعدم الانحياز لأسباب شخصية، وإن المعيار الرئيسي الذي خضعت له عملية الاختيار هو خدمة الأنشطة الطلابية الإبداعية وعدم الانخداع أمام الشعارات، وعدم استخدام المرشحين الدعاية السياسية أو الدينية أو الطائفية وأن تكون الدعاية شخصية للطالب فيما أنجزه من أنشطة للدخول في المنافسات الخارجية المختلفة.
وجرت الانتخابات في اطار من الحياد والشفافية والنزاهة التامة وجميع الطلاب من التيار الوطني، ولم تشهد فعاليات الانتخابات أية مشاحنات أو انحياز لمجموعة من الطلاب دون غيرهم لأن كل أبناء الجامعة هم أبناء التيار الوطني العام، والجامعة وفق استراتيجيتها ضد العرقية والطائفية والتحيز، وشهدت الانتخابات الطلابية لأول مرة فوز طالبة برئاسة اتحاد طلاب الجامعة، كما أفسحت الجامعة المجال أمام الجانب النسائي لتولي المناصب القيادية بمختلف كليات الجامعة ومعاهدها وإداراتها وذلك بناء على درجة الكفاءة والاستحقاق للمنصب.
وجاء المبدأ الأخير من مبادئ وثيقة جامعة القاهرة للتنوير لينص على اكتشاف المواهب وفتح المسارات الإبداعية أمامها سواء العلمية أو الفنية أو الثقافية أو الرياضية وغيرها، وتوسيع رؤية ورقعة النشاط الطلابي إلي قيم المعايشة والتنوير ولا يتحقق ذلك بندوات أو حفلات معدودة، وإنما بخلق حالة من الزخم الثقافي والتنويري والوعي الحقيقي لا الوعي الزائف، حيث قامت الجامعة بتنظيم العديد من المسابقات الفنية والثقافية والرياضية المختلفة لطلابها.
كما أطلقت العديد من المبادرات التي تستهدف تثقيف الطلاب واكتشاف مواهبهم الفنية والسياسية والمجتمعية كمبادرة الفن في الشارع، ومبادرة خذ كتاب وضع كتاب، كما اطلقت العديد من نماذج المحاكاة التي استهدفت رفع المهارات السياسية للطلاب وساهمت في تشكيل الشخصية الوطنية الواعية التي تملك أدوات العصر والمشاركة السياسية الفعالة.
وتفوق طلاب جامعة القاهرة في العديد من المسابقات العالمية والمحلية المتعلقة بالثقافة والابتكار، حيث حصدت الجامعة على 23 جائزة والمركز الأول ودرع التميز بمهرجان ابداع 6، وحصلت على المركز الأول في الدوري الثقافي بمسابقة ابداع 7، الدرع العام للمسابقات الرياضية بأسبوع شباب الجامعات الذي أقيم بجامعة المنوفية، وفاز طلاب الجامعة بمسابقة كأس العباقرة الموسم الأول 2018 على مستوى الجامعات المصرية، والمراكز الأولي في مسابقة كأس السفير الصيني بالإضافة إلي حصول الجامعة علي المركز الأول والجائزة الثانية في المسابقة الدولية للزراعة العمرانية بالمدن وجائزة العقول الشابة الخلاقة، والمركز الأول علي مستوي العالم في مسابقة اللغة الصينية وعضوية التحكيم الدولية.
كما أعلن الدكتور محمد عثمان الخشت عبر 5 مقالات منشورة بجريدة الأهرام، عن إطلاق مبادرة لتطوير اللغة العربية، وشكل مفوضية لتطوير اللغة العربية ، لتنفيذ محاور المبادرة، وأتت هذه المبادرة في إطار تطوير العقل المصري بوصف اللغة صورة الفكر وبدون نمو اللغة لا يمكن أن ينمو الفكر، حيث تحتاج اللغة القديمة للتطور حتى تواكب تطور العلوم والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحرصت الجامعة علي تطوير اللغة العربية والوصول إلى رؤى جديدة بما يمثل خطوة مهمة نحو نهضة فكرية حقيقية تبتعد عن طرق التفكير التقليدية.
وتمثلت محاور المبادرة في صناعة معجم عربي معاصر، ووضع معالم لاستراتيجية محددة المنهج لعمليات التعريب، وإدخال مفردات اللهجات المحلية والعامية إلي العربية، وتبسيط قواعد اللغة وتغيير طريقة تعلمها من حفظ القواعد إلي الممارسة، والتأكيد علي ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية في تعليم اللغة الأم في تصميم المناهج وطرق التعليم في مرحلة التعليم قبل الجامعي بما يسهم في وضع منهج معياري لتعليم العربية للناطقين بغيرها، وضرورة دراسة الأسباب النفسية لانصراف الأغلبية عن محاولة اتقان اللغة العربية وكيفية علاجها، و دراسة تبسيط طريقة كتابة اللغة العربية، وتدريس الحد الأدنى الذي يستقيم معه اللسان وطريقة الكتابة، والتدريب المستمر للمعلمين علي الطرق الحديثة في التدريس مع وضع اختبار معرفي موحد وضرورة اجتيازه قبل العمل بالتدريس.